الأخلاق هي السلّم الذي يُرتقى به نحو الفضائل، والمكارم والذي ينعكس على مختلف أنشطة الإنسان في حياته إبتداءً من صفته كفرد من أفراد عائلته مرورًا بصفته في مكان عملهِ بإخلاصه، وإتقانه، والمحافظةِ على شرف مهنته. وفي مضامين أموره اليوميّة كافّة. وما سبب إنعدام الإخلاق، وإفسادها...
بقلم: د. زهراء منصور مذكور الحلفي
حين يكون الفساد مصدرٌ للفعل (فَسدَ) والذي هو على الضد، والنقيض من (صَلحَ) الفعل المشتق من الصلاح، والإصلاح فإنّ أوّل ما يعرّف به الإنسان من الصلاح هو (صلاح أخلاقه).
إنَّنا اليوم وبمجرَّد ذكر كلمة (الفساد) يتبادر إلى أذهاننا الفساد المالي، والإداري وهو فساد مستشرٍ في العالم برمّته ولكنهُ ما قام لولا سقوط الجانب الأخلاقي، وإنحلاله لدى الإنسان ومن ثم غياب الرقابة الداخليّة عليه وهي (الضمير)؛ فالأخلاق هي السلّم الذي يُرتقى به نحو الفضائل، والمكارم والذي ينعكس على مختلف أنشطة الإنسان في حياته إبتداءً من صفته كفرد من أفراد عائلته مرورًا بصفته في مكان عملهِ بإخلاصه، وإتقانه، والمحافظةِ على شرف مهنته... وفي مضامين أموره اليوميّة كافّة. وما سبب إنعدام الإخلاق، وإفسادها، والإفساد الذي يتأتّى من فسادها إلّا ضعف الوازع الديني، والبعد عن الله (سبحانه).
قال (تعالى): "فإنْ تولّوا فإنّ الله عليمٌ بالمفسدين"، فحين يتغافل الإنسان، ويتناسى حتّى يغفل، وينسى حقيقةً وجوده بين يدي جبّار، عظيم يراقبه في الدنيا، ويسائلهُ في الآخرة عن كلّ شاردة، وواردة كما وعد في قولهِ (تعالى): "ما يلفظُ من قولٍ إلّا لديه رقيبٌ عتيد"، وقوله (تعالى): " قالوا ما لهذا الكتاب لا يغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلّا أحصاها"، وقوله تعالى: "وقفوهم إنّهم مسؤولون" فهو إنّما يكتب على نفسه الضياع في ذلك؛ فتضيعُ أخلاقه، وقيّمه وكلّ ما هو لهُ سبيلٌ للرشاد.
إنَّ الضرورةَ العمليّة التي ترتكز على الأخلاق كحجر أساس في البنيان الآمن، والسليم للمجتمع أشار لها الله (سبحانه) في قوله (تعالى): "هل يهلك إلّا القوم الفاسقون"، وقوله (تعالى): "وإذا أردنا أنْ نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقَّ عليها القول". وفي وصف الله (سبحانه وتعالى) لنبيه الصادق، الأمين في القرآن الكريم في الآية المباركة: "وإنّك لعلى خلقٍ عظيم"، وإرشادنا إلى التحلّي بخلقه (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله (تعالى): "لقد كان لكم في رسولِ الله أسوة حسنة" أمر واضح لا يحتاج إلى دليل على الصلة بين الأخلاق وتقدّم الأمم إقتداءً بهدى نبي الرحمة، والتسامح... نبي الإنسانيّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
لذلك فمن الضروري جدًا التركيز على إصلاح الناحية الأخلاقيّة، وصقلها والتي تحمل في مكنوناتها معطيات كثيرة، فظاهرها الخُلق الحسن، وباطنها القناعة، والحكمة، والنزاهة، والإستقامة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكلّ ما يأخذ بالإنسان نحو الكمال، والمثاليَّة؛ إذ أنَّ غياب تلك القيّم الأخلاقيّة، والمبادئ العليا هي السبب الرئيس وراء أسباب الفساد الأخرى، قال تعالى: "ظهر الفساد في البرِّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون".
فمن بغضَ الحال، وأراد تغيير الأحوال ليبدأ من نفسه قبل انْ يلقي اللوم على هذا وذاك مهما كان وصفه، وشأنه في مجتمعه حيث أنّ: "الله لا يغيّرُ ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم"، وبالإرادةِ الصلبة، والتصميم الحقيقي يسود الإصلاح، ويُنتَشل الفساد من جذوره وليُستعان في كلّ ذلك بقوله تعالى: "ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون" ، فنتخلّص بذلك من النفاق، والمجاملة، والتملّق، والتصفيق للمنكر أيًّا كان نوعه، أو شكله، وصاحبه فأفضل الجهاد كما قال (صلى الله عليه وآله): "كلمةُ حقٍّ تقال عندِ سلطانٍ جائر"، وترك السكوت على الباطل فقد قال الإمام علي (صلوات الله عليه): "إذا سكتَ أهلُ الحقَّ عن الباطل ظنّ أهلُ الباطلِ أنّهم على حق".
وفي ختام الكلام نقول: إنّ الضمائر تغفو لكنّها إن شاء الله لا تموت، وأملنا في يقظةِ، وإيقاظِ الضمير، والشعور بالرقيب الأعلى؛ فذلك الشعور كفيل بأنْ يُصحّح المسار الخلقي للمجتمعات المنحرفة وكما قال الشاعر:
إنّما الأمم الأخلاق ما بقيّت
فإنْ هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
فبالأخلاقِ والنزاهة، نكافحُ الفساد.
اضف تعليق