فهل يحتاج عشرات الآلاف من الشهداء واضعافهم من الجرحى ومثلهم من دفن حيّا تحت الركام الى دليل لإثبات الادانة بالإبادة؟ علما ان السلوك العدواني لإسرائيل منذ تأسيس دولتها العنصرية يقوم على هذا المبدأ، وماتتناقله وكالات الانباء ومواقع التواصل من صور وفيديوهات مؤلمة عن عمليات إبادة ممنهجة...
(على دولة إسرائيل أن تتخذ كل ما في وسعها من إجراءات لمنع ارتكاب جميع الأفعال التي تدخل في نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية)، هذا مختصر قرار محكمة العدل الدولية التي تعد الجهاز القضائي الدولي في منظمة الامم المتحدة والمؤلفة من (15) قاضياً التي رفعتها حكومة جنوب افريقيا ضد حكومة اسرائيل نتيجة افعالها البربرية التي قامت بها بحجة الدفاع عن النفس، واعتبرت المحكمة الشعب الفلسطيني (مجموعة) محميّة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، والقرار تذكير بأنه لا توجد دولة فوق القانون فيما عدته اسرائيل بانه معاد للسامية.
فيما تمادت اسرائيل في ضرباتها ولم تلتزم بقواعد الاشتباك المعهودة فهي لم تقاتل عدوها كمجموعة مقاتلة بل قاتلت الجميع بمن ضمنهم الاطفال والنساء وجعلتهم مجموعة مقاتلة يعني كل ماموجود في غزة عدته اسرائيل مجموعة مقاتلة حتى الاطفال الخدج وكبار السن والمعاقين وحتى من لايحمل السلاح، وهذا يناقض المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 التي نصت على (أن الإبادة الجماعية أفعال ترتكب بقصد التدمير كليا أو جزئيا لمجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، وتشمل أعمال الإبادة الجماعية المذكورة في الاتفاقية قتل أعضاء جماعة وإلحاق أذى بدني أو ذهني خطير بأفراد جماعة وتعمّد التسبّب في أحوال معيشية يراد بها تدمير جماعة كليا أو جزئيا).
ويبقى السؤال فهل يحتاج عشرات الآلاف من الشهداء واضعافهم من الجرحى ومثلهم من دفن حيّا تحت الركام الى دليل لإثبات الادانة بالإبادة؟، علما ان السلوك العدواني لإسرائيل منذ تأسيس دولتها العنصرية يقوم على هذا المبدأ، وماتتناقله وكالات الانباء ومواقع التواصل من صور وفيديوهات مؤلمة عن عمليات إبادة ممنهجة ومستمرة ومبيتة ضد سكان غزة، وصار المقصود ليس القضاء على حماس كطرف مناوئ لإسرائيل، فقد تحوّل الهدف الى القضاء على سكان غزة بشتى الطرق سواء بالحرب او بالتجويع وقطع الامدادات اللازمة للحياة، بل وضرب حتى المستشفيات والمدارس ومراكز العلم والعبادة.
والجواب نتيجة الادلة العيانية الموثقة نعم ماجرى ويجري منذ السابع من اكتوبر هو ليس حربا تقليدية ضمن قواعد الاشتباك المتعارف عليها وبين مجاميع متقاتلة، إن الغارات الانتقامية الإسرائيلية على غزة، والمستمرة حتى الآن بالرغم من كثرة ضحاياها، ينطبق عليها تماماً وصف الإبادة كما اعترف وزير دفاع اسرائيل غالانت (إن هدف إسرائيل هو تدمير الفلسطينيين)، وإذا كان ميثاق الأمم المتحدة يحدد خمسة تصرفات ينطبق عليها وصف الإبادة، فإنها جميعاً قد فعلتها إسرائيل، في إطار تحذير الأمم المتحدة من النتائج الخطرة للحصار الإسرائيلي الذي يهدف إلى جعل غزة أرضا غير مأهولة بالسكان.
فقد أسهم قرار محكمة العدل في كسر المحرمات التي وضعها العالم الغربي والأمريكان للحيلولة دون انتقاد إسرائيل، التي تتهم من ينتقدها بمعاداة السامية. قد أمرت محكمة العدل الدولية اثناء المداولة إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع ومعاقبة التحريض المباشر على الإبادة الجماعية في حربها في قطاع غزة. وقالت: على إسرائيل أن تتخذ كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، كما أمرتها بالامتناع عن أي أعمال قد تندرج ضمن اتفاقية الإبادة الجماعية، وضمان عدم ارتكاب قواتها أي أعمال إبادة جماعية في غزة (لكنها لم تصل إلى حد الدعوة إلى وقف لإطلاق النار على الفور)، كما الزمت اسرائيل بان تمتنع عن اية أعمال تدخل في نطاق جريمة الإبادة الجماعية، وإن عليها أن ترفع تقريرا الى المحكمة خلال مدة شهر واحد بصدد تنفيذ التدابير المؤقتة التي قررتها المحكمة وعلى جميع الحكومات المعنية بما فيها الدول الكبرى في مجلس الأمن، أن تحترم قرار المحكمة الذي اكد للعالم بان اسرائيل ارتكبت جريمة الابادة الجماعية (جينوسايد) ضد مجموعة محمية وفق ميثاق الامم المتحدة.
اضف تعليق