يعكس المؤشر واقع الدول، التي يتناولها والبالغ عددها 179 دولة عام 2023، هذا الانعكاس سيزيد من جاذبية الدولة إذا كانت غير هشة، وتكون طاردة كلما تكون أكثر هشاشة. يضم المؤشر العام اربعة مؤشرات (التماسك، الاقتصاد، السياسة، الاجتماع) وكل واحد من هذه المؤشرات يضم ثلاث مؤشرات...
يُعد مؤشر الدول الهشة من المؤشرات المهمة دولياً، كونه يعكس مدى أهمية دولة ما بين الدول وهل هي دولة متماسكة وجاذبة أم هشة وطاردة؟
حيث يعكس المؤشر واقع الدول، التي يتناولها والبالغ عددها 179 دولة عام 2023، هذا الانعكاس سيزيد من جاذبية الدولة إذا كانت غير هشة، وتكون طاردة كلما تكون أكثر هشاشة.
يضم المؤشر العام اربعة مؤشرات (التماسك، الاقتصاد، السياسة، الاجتماع) وكل واحد من هذه المؤشرات يضم ثلاث مؤشرات فرعية ولكل مؤشر فرعي 10 نقاط (0 للأفضل، 10 للأسوء)، وعند جمع جميع النقاط سنحصل على المؤشر العام الذي تبلغ نقاطه الكلية 120 نقطة.
اولاً: مؤشرات التماسك
1- الاجهزة الأمنية ويقصد بها مدى احتكار الدولة لاستخدام القوة بالشكل السليم وفرض الامن دون التعسف والتمادي على المواطنين ودون توظيفها لمصلحة الحزب الحاكم أو لأي أجندات داخلية او خارجية.
2- النخب المنقسمة، أي هل تهتم النخب السياسية في زرع الهوية الوطنية وترسيخها، أم انها تعمل على ترسيخ الهويات الفرعية واحلالها محل الهوية الوطنية؟ وهل تسعى لتغليب المصلحة الوطنية ام المصالح الضيقة؟
3- التظلم الاجتماعي، ويقصد بها الانقسامات بين المجموعات المختلفة ومدى شعور كل مجموعة بالظلم من المجموعات الاخرى كونها لم تعطيها حقها سواء في الخدمات او في الموارد او في تقرير مصيرها السياسي او انها تعرضت للظلم سابقاً ولم يتم تعويضها وهكذا.
يتضح من هذا الشكل ان موقف مؤشرات التماسك لم تكُن جيدة بل سيئة، بحكم ان نقاطها مرتفعة من النقاط المعيارية، إذ كلما تكون النقاط منخفضة كلما تكون الدولة أكثر تماسكاً والعكس صحيح.
ان النقاط المعيارية لمؤشرات التماسك هي 30 (كل مؤشر 10 نقاط) وبلغ عدد نقاط مؤشرات التماسك 25.1 نقطة، وهو مرتفع جداً ولذلك العراق دولة ضعيفة التماسك على هذا النحو.
على الرغم من التحسن النسبي في الجانب الأمني إلا إنه لم يكُن راسخاً، حيث تظهر بين فترة وأخرى عمليات تتنافى مع الأمن، كما ان استمرار حدّة الصراع خصوصاً في مسألة إقالة رئيس السطلة التشريعية وعدم التوصل لاتفاق على انتخاب آخر، وكذلك رفض المشاركة من بعض الكتل والاحزاب في الانتخابات المحلية وغيرها، فضلك عن استمرار الخلاف بين بعض السياسيين وحقوق الاقليم وغيرها، كانت وراء انخفاض مؤشرات التماسك.
ثانياً: مؤشرات الاقتصاد
1- التدهور الاقتصادي، يركز هذا المؤشر على مدى ضعف او قوة الاقتصاد، والعواقب المتحققة، وذلك من خلال عدة مؤشرات كالفائدة والتضخم والبطالة ودخل الفرد والانتاجية وغيرها.
2- التنمية الاقتصادية غير المتكافئة، يهتم هذا المؤشر بعدم المساواة الهيكلية القائمة على المجموعات (العرقية او القومية او الدينية او غيرها) او التعليم او الوضع الاقتصادي او المنطقة (ريف، حضر) وعلى مستوى الفرص في التعليم والاسكان والتدريب وهكذا.
3- هجرة الايدي العاملة والادمغة، قد تكون الهجرة طوعية من قبل الطبقة الوسطى بسبب التدهور الاقتصادي وقد تكون الهجرة قسرية بسبب الاضطهاد والقمع الفعلي او المخيف وكلا الامرين يؤثران على الاقتصاد.
بلغ عدد نقاط مؤشرات الاقتصاد الثلاثة 18.1 نقطة من 30 نقطة، وهي أفضل حالاً من مؤشرات التماسك؛ بحكم تحسن نقاط مؤشر التنمية غير المتكافئة بحكم تعيين اعداد كبيرة جداً في وزارات الدولة وقيام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بشمول العديد من الأفراد والاسر في شبكة الحماية الاجتماعية.
وظل مؤشر التدهور الاقتصادي مرتفعاً بحكم استمرار ضعف الاقتصاد الان ومستقبلاً نتيجة لاعتماده على قطاع النفط بشكل رئيس دون تفعيل القطاعات الاقتصادية واستمرار انخفاض الانتاجية. كما ظل مؤشر هجرة البشر والادمغة مستمراً لعدم وجود بيئة اعمال محفزة وجاذبة.
ثالثاً: مؤشرات السياسة
1- شرعية الدولة، يهتم هذا المؤشر بمدى تمثيل الحكومة وشفافيتها وعلاقتها بالمواطنين ومدى ثقتهم بمؤسساتها وكيفية تعاملها مع المعارضة وكيفية وصولها للسلطة وغيرها.
2- الخدمات العامة، يشير الى الخدمات الاساسية التي تقدمها الدولة للشعب، كالصحة والتعليم والماء والكهرباء والانترنيت والبنية التحتية ومدى قدرتها على حماية مواطنيها من الارهاب ومدى قدرتها على تحقيق تلك الخدمات بشكل حيادي بعيداً عن التمييز.
3- حقوق الانسان وسيادة القانون، يركز هذا المؤشر على العلاقة بين الدولة وسكانها من حيث حماية حقوق الانسان الاساسية ومراعاة الحريات واحترامها، يبحث فيما إذا كان هناك انتهاك واسع النطاق للحقوق القانونية والسياسة والاجتماعية بما في ذلك حقوق الافراد والجماعات والمؤسسات.
نلاحظ من خلال الشكل أعلاه، ان نقاط مؤشر شرعية الدولة والخدمات العامة مرتفعة، بينما نقاط مؤشر حقوق الانسان وسيادة القانون كانت أقل ارتفاعاً ومع ذلك هو مرتفع بشكل كبير.
هذا الارتفاع يعني تراجع الاداء السياسي في العراق نظراً لعدم شفافية العلاقة بين الدولة والمواطنين وعدم احترام المعارضة السياسية فضلاً عن تردي الخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية وغيرها، ولذلك بلغت درجة مؤشرات السياسة 24.4 من 30 درجة.
رابعاً: مؤشرات المجتمع
1- الضغوط الديموغرافية
يركز هذا المؤشر على الضغوط التي تتعرض لها الدولة بسبب السكان أنفسهم او البيئة المحيطة بهم، من حيث النمو والتوزيع السكاني والكثافة السكانية، ومدى انتشار الامراض والاوبئة ومكافحتها، ومدى توفر الامدادات الغذائية والمائية لهم وغيرها.
2- اللاجئون والنازحون، يقيس هذا المؤشر النزوح داخل البلدان، فضلاً عن تدفقات اللاجئين الى بلدان أخرى، ومدى الضغط على الخدمات العامة وهل هناك موارد تكفي لتلبية الطلب المتزايد وهل الحكومة لديها القدرة على الحصول على التمويل الدولي.
3- التدخل الخارجي، يهتم هذا المؤشر في مدى تأثير الجهات الخارجية في اداء الدولة وبالخصوص في الجانب السياسي والأمني والاقتصادي، من خلال دعم الجهات الخارجية للقوى المعارضة السياسية، او من خلال وجود قوة اجنبية او القيام بهجمات عسكرية او غيرها او من خلال الاعتماد على المساعدات الاقتصادية وغيرها.
يبدو من خلال الشكل أعلاه، ان مؤشر اللاجئون والنازحون تحسن كثيراً، وهو بالفعل تحسن نوعاً ما؛ ولكن عند النظر ومقارنته بالنقاط المعيارية (10) نجد انه بحاجة للكثير من العمل لأجل الانخفاض به أكثر.
حيث ظلت الضغوط الديموغرافية مرتفعة بحكم زيادة النمو السكاني وتركز السكان في الحضر أكثر من الريف وانتشار الامراض السرطانية وضعف الامدادات المائية وغيرها، وعدم معالجة ملف النازحين بشكل كامل فضلاً عن وجود العديد من الجالية السورية في شمال العراق، واستمرار تدخل دول الجوار في الشأن العراقي، كل هذه الاسباب جعلت نقاط مؤشرات المجتمع تبلغ 23.8 من 30 درجة وهي درجة مرتفعة.
وعند جمع نقاط المؤشرات الاربعة سنحصل على 91.4 من 120 نقطة، وهذا العدد مرتفع، جعل العراق يحتل المرتبة 27 من أصل 179 دولة تناولها مؤشر الدول الهشة لعام 2023، تدلل على هشاشة العراق بشكل كبير، مما يتطلب المزيد من العمل للتخلص من هذه الهشاشة.
وتجب الإشارة، ان العراق تحسن كثيراً على مستوى النقاط والترتيب مقارنة بالسنوات السابقة وترتيب الدول، حيث كانت النقاط 109.0 من 120، والمرتبة 4 من أصل 146 دولة عام 2006، ولكن مع هذا التحسن يحتاج العراق المزيد من العمل ليكون أكثر قوةً تماسكاً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.
يتطلب العمل
حيث يتطلب العمل على حصر السلاح بيد الدولة لتكون هي المحتكر لاستخدام القوة وقادرة على بسط الامن في ربوع البلاد.
كذلك العمل على تعزيز الهوية الوطنية واحترام الهويات الفرعية، وتغليب المصلحة الوطنية على حساب المصالح الضيقة، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية لتجنب الشعور بالتظلم الاجتماعي.
كما يتطلب العمل على معالجة التدهور الاقتصادي من خلال تفعيل التنويع الاقتصادي وفتح الباب أمام القطاع الخاص ليأخذ دوره في الاقتصاد، وبناء بيئة اعمال جاذبة غير طاردة تعمل على تثبيت الايدي العاملة والادمغة.
العمل على نزاهة الانتخابات، والعمل بالتداول السلمي للسلطة، واعتماد الشفافية كأداة للعمل لتعزيز ثقة بالمواطن بها وارتفاع منسوب شرعيتها، كذلك العمل على تقديم الخدمات العامة.
صيانة حقوق الانسان وتعزيز سيادة القانون على الجميع دون أي تمييز أو محاباة بين المواطنين.
الاهتمام بالتنمية الريفية لأجل تحقيق نوع من التوازن التنموي بين الريف والحضر، والاهتمام بالمراكز الخاصة بمعالجة الامراض الشائعة والمستعصية.
إيلاء ملف المياه مزيد من الاهتمام، وذلك لما له من انعكاسات عديدة في مختلف المجالات.
العمل على تعزيز السياسة الخارجية وذلك بما يسهم في تعزيز سيادة الدولة واحترامها بين الدول.
اضف تعليق