تتسارع الأحداث في منطقة الشرق الأوسط بشكل ملفت للنظر. فمنذ ثورات الربيع العربي، وظهور تنظيم "داعش" على مسرح الأحداث الدولية واجتياحه لعدد من الدول، وتشكيل التحالف الدولي ضد التنظيم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتداعيات الاتفاق النووي الإيراني، ومن ثم التدخل الروسي في سوريا الذي أحدث ضجة في المنطقة والعالم، كل تلك الأحداث ربما تعيد رسم الخارطة السياسية للمنطقة في ظل التحالفات الجديدة، ليتم الإعلان مؤخراً عن تشكيل التحالف الإقليمي الدولي الذي ضم "روسيا، إيران، العراق، وسوريا"، أو ما يسمى التحالف الرباعي. هذا التحالف ومنذ الوهلة الأولى شق الحكومة العراقية إلى شقين، أحدهما مؤيد والآخر رافض وهناك من تحفظ، فضلاً عن الموقف الإقليمي والغربي الذي لا يختلف كثيراً عن موقف الحكومة العراقية.
يعد التحالف الإقليمي بقيادة روسيا، كما هو معلن تحالفا ضد تنظيم "داعش" والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وتعد أطرافه القوية المتمثلة بـ"روسيا وإيران"، الدول التي رفضت واشنطن دخولها في التحالف الدولي ضد التنظيم المذكور الذي تشكل في آب/أغسطس من العام الماضي، والذي فشل في معالجة خطر انتشار التنظيم والقضاء عليه بعد مرور أكثر من عام على تشكيله، وباعتراف واشنطن. وبغض النظر عن الاتفاق النووي ونتائجه وانعكاساته على المنطقة، سنركز على جدية هذا التحالف في محاربة تنظيم "داعش"، ودور روسيا وإيران، وموقفهما المعلن وغير المعلن، وكيف يمكن للحكومة العراقية الاستفادة من هذا التحالف الذي اتخذ من بغداد مقراً له.
روسيا
روسيا الاتحادية التي ما زالت تحت فرض العقوبات والقيود الدولية والأوروبية، نتيجة المشاكل التي تثيرها في شرق أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم، تبحث اليوم عن دور عالمي وتصدير مشاكلها الداخلية للخارج، ولعل الفرصة أتت باستثمارها الأزمة السورية، التي استطاعت من خلالها أن تعيد توازنها ودورها الدولي، ليس فقط بسبب تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، وضعف استراتيجية أوباما في منطقة الشرق الأوسط وفي مواجهة "داعش"، وإنما بسبب تنامي الدور الإيراني في المنطقة المعزز للدور الروسي، فضلاً عن تنامي الدور العالمي للحليف الصيني كقوة سياسية واقتصادية عالمية.
دخول روسيا بقواعد برية في سوريا، وتشكيل هذا التحالف هو لتعزيز دورها في المنطقة، والحفاظ على نظام بشار الأسد الحليف الاستراتيجي، ومقاومة النفوذ الأمريكي المتراجع في المنطقة. ولعل هدف روسيا المعلن من هذا التحالف، هو مقاتلة عناصر تنظيم "داعش" والتنظيمات الإرهابية الأخرى، إلا أن هناك هدفا آخر هو ليس مقاتلة التنظيم، بل الحفاظ على مصالحها في الإبقاء على نظام الأسد فقط، مع القيام ببعض العمليات العسكرية الجوية ضد تنظيم "داعش" وليس محاربته بشكل فعلي على الأرض؛ لأن روسيا لم تجازف في التدخل البري المباشر في القتال ضد التنظيم والتنظيمات الإرهابية الأخرى، والتوغل في عمق الأراضي السورية التي تعد مناطق نفوذ للتنظيمات المتطرفة في دير الزور ومدينتي الرقة وتدمر السوريتين، الحدوديتين مع محافظة الأنبار العراقية، واللتين استطاع التنظيم من خلالهما أن يشكل بيئة خصبة وعمقا استراتيجيا له بالتواصل مع محافظة نينوى العراقية، التي تخضع لسيطرة التنظيم منذ حزيران من العام الماضي؛ لأن روسيا تعلم بأن قواتها البرية ستُستنزف في مواجهة الجماعات المتطرفة والجماعات الجهادية التي جندتها وستجندها دول الخليج ولاسيما السعودية لمقاتلة القوات الروسية بفتوى جهادية. فالدور الروسي في هذا التحالف لا يتعدى الحفاظ على مصالحه في المنطقة. وهو صراع روسي أمريكي على تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط.
ضم العراق لهذا التحالف هو جزء من الأيديولوجية السياسية التي تتبعها إيران في العراق؛ لكون الفصائل المسلحة العراقية، وقوات الحشد الشعبي القريبة أيديولوجيا من إيران، وفي ظل التحالف الإيراني الروسي، ستشكل قوة كبيرة وهائلة في منافسة الدور الأمريكي، والحفاظ على المصالح الروسية والإيرانية في سوريا والعراق، والمنطقة بشكل عام، فضلاً عن إمكانات حزب الله اللبناني وأنصار الله الحوثيين الداعمة لهذا التحالف. وربما هذا التحالف يعد بمثابة مناورة سياسية روسية إيرانية للولايات المتحدة وحلفائها أكثر مما هي عسكرية، وحلفا مضادا للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش". والشيء المؤكد أن روسيا أخذت الدرس في أفغانستان، ومن غير الممكن أن تعيد نفس الخطأ في التدخل العسكري البري، مما يفقد الأمل في إنهاء التنظيم المتطرف.
إيران
كذلك الحال بالنسبة لجمهورية إيران هي الأخرى تبحث عن تعزيز دورها الإقليمي، فإيران انخرطت في الحرب السورية بشكل فعلي منذ اندلاع الثورة السورية، عن طريق عناصرها التي تقاتل مع الجيش العربي السوري ضد التنظيمات الإرهابية والثوار التي تدعمهما الولايات المتحدة الأمريكية، وبمساعدة وتجنيد بعض الفصائل المسلحة التي تدعمها، وحزب الله اللبناني. إيران التي تبحث عن تعزيز دورها الإقليمي في المنطقة والحفاظ على حلفائها في سورية والعراق ولبنان، دخلت هذا التحالف ليس لهزيمة تنظيم "داعش"، التي تقاتله في سوريا والعراق، وإنما من أجل تعزيز دورها السياسي ومصلحتها القومية وتثبيت مشروعها الاستراتيجي في هذه الدول؛ لأن إيران شأنها شأن دول العالم التي تتصارع وتبحث عن دور إقليمي، وتعطي تبريرات لدورها، فالكل يعطي تبريراً، وهو محاربة تنظيم "داعش"، إلا أن هدفها غير المعلن هو غير ذلك بالتأكيد؛ لأن الكل له مصلحة من بقاء تنظيم "داعش" على قيد الحياة، على الأقل في الوقت الحالي، وربما هذه التحالفات والتحالفات المضادة ترجعنا إلى زمن الحرب الباردة، فهي سياسات تتبعها الدول المنتفعة والباحثة عن دور إقليمي ودولي في المنطقة من أجل تبرير تدخلاتها، وهي ضريبه تدفعها الدول التي ما تزال تعاني من عدم الاستقرار وعدم الاندماج؛ بسبب السياسات الخاطئة لحكوماتها وفشلها في بناء منظومة دولتية معاصرة تستطيع مقارعة دول العالم ودول المنطقة على الأقل ولو برؤية أو تحالف مشترك، وهي بالمجمل تشمل دول المنطقة العربية ككل وليس العراق وسوريا فقط، إذ هي دول ما زالت تائهة بين التحالفات الدولية، وأي تحالف تختار، ومتخبطة في سياساتها الداخلية والخارجية.
ولهذا لا يمكن إخراج إيران من دائرة الدول المنتفعة من وجود تنظيم "داعش"، على الرغم من محاربتها وتعارضها الفكري والأيديولوجي مع التنظيم، وتهديد التنظيم لمصالحها في المنطقة، فضلاً عن دعمها للعراق في حربة ضد هذا التنظيم المتطرف. كذلك ليس لإيران جدية في نشر قواتها في الأراضي السورية بالتماس مع خطوط الجماعات الإرهابية، أو مسك الأرض والحدود السورية مع العراق، بقدر ما تنوي الحفاظ على ما تبقى من سيطرة النظام على بعض الأراضي، التي من شأنها أن تبقي الأسد في السلطة وعدم إسقاطه؛ لضمان مصالحها. إذاً هي سياسة واستراتيجية رافدة للدور الروسي ومكملة له من أجل إثبات نفسيهما كقوة دولية كبيرة في المنطقة لا يمكن تجاهلها. فـ"داعش" أصبح وسيلة لتبرير كل التدخلات الإقليمية والدولية في المنطقة.
العراق
بالتأكيد يعد العراق الحلقة الأضعف في هذا التحالف بعد النظام السوري، نتيجته حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، والتدهور الاقتصادي الذي يعاني منه بعد انخفاض أسعار النفط العالمية، وعدم مقدرة الحكومة والقوى السياسية على الاتفاق على مشروع بناء الدولة، واجتياح تنظيم "داعش" لعدد من المحافظات والمدن العراقية، والأعداد الهائلة من العوائل التي هجرت، والحرب الدائرة مع التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن حالة عدم التوافق السياسي بين القوى السياسية والحكومة العراقية، وعدم قدرة الأخيرة على القيام بإصلاحات شاملة من شأنها أن تعيد بناء الدولة العراقية، وتستجيب لمطالب المتظاهرين المستمرة.
وسط كل تلك التحديات والمعوقات التي تهدد كيان الدولة العراقية، ما زالت هناك فرصة أمام الحكومة العراقية والكتل السياسية في القيام بإصلاحات وإعادة بناء منظومة الدولة العراقية، كما ويمكن للحكومة العراقية الاستفادة من هذا التحالف الإقليمي.
يعد انضمام العراق للتحالف الإقليمي خطوة مهمة وجيدة على الرغم من كل تلك التحديات، ونوايا روسيا وإيران في هذا التحالف، والنقطة الأهم كذلك هي اتخاذ العاصمة بغداد مقراً لهذا التحالف، لكن يبقى السؤال المطروح: كيف يمكن للحكومة العراقية أن تستفيد من هذا التحالف في بناء الدولة، وبناء منظومتها الأمنية والسياسية وتعزيز دورها الإقليمي والحفاظ على سيادتها؟.
يعد التوافق السياسي بين القوى السياسية فيما بينها، ودعمها للحكومة العراقية، وتوحيد البيت العراقي داخليا وخارجياً، وتوحيد الخطاب العراقي، والابتعاد عن لغة المكونات، والتفاعل الإيجابي مع المعطيات الخارجية بما يؤمن مصلحة الدولة العراقية، نقطة الشروع في تحقيق مصلحة الدولة العراقية من هذا التحالف.
ويمكن الاستفادة من هذا التحالف في بناء المؤسسة العسكرية بشكل مهني، والحصول على الأسلحة المتطورة. ويعد تأطير قوات الحشد الشعبي تحت قيادة المؤسسة العسكرية الرسمية، وإدخاله ضمن إطار قانوني، يبعده عن كل الانتماءات السياسية والطائفية والقومية، واكتسابه صفة قانونية رسمية، نقطة مهمة في الاستفادة من قدرات التحالف في تدريبه.
ويمكن الاستفادة من الحليف الروسي في ذلك سواء في صفقات السلاح أم في التدريب والتجهيز والدعم اللوجستي وعقد الاتفاقيات العسكرية، والمساعدة في مسك الأرض وتأمين الغطاء الجوي في المعارك ضد تنظيم "داعش".
أيضاً حث الطرف الإيراني على لعب دور إيجابي ورسمي، وعدم السماح له سوى بالتدخل الرسمي عن طريق الحكومة العراقية، وإقناع المكون السني بذلك الدور الإيجابي، ومحاولة تقريب وجهات النظر بين التحالفين الروسي والأمريكي على هزيمة "داعش"، ولعب دور إيجابي في بناء الدولة العراقية، وبناء مؤسساتها بشكل مهني بعيداً عن التحزب والطائفية، وإقناع المجتمع الدولي في ذلك، وحث الروس والإيرانيين على مقاتلة "داعش" وتنظيماتها بشكل جدي وفاعل؛ لمساعدة القوات العراقية في طرد تلك التنظيمات وتأمين مسك الأرض ومسك الحدود العراقية مع بعض الدول المجاورة، ومساعدة المؤسسة العسكرية العراقية على بناء ذاتها، والاستفادة من خبرات التحالف في هذا المجال.
لابد أن يرافق ذلك التحالف والحرب ضد تنظيم "داعش"، إصلاحات داخلية تشمل القضاء وكل مؤسسات الدولة العراقية، والاستجابة الفعلية لمطالب الشعب والمتظاهرين والمرجعية الدينية؛ لأنه ومن غير الممكن هزيمة "داعش" بأي شكل من الأشكال دون القيام بإصلاحات شاملة وتعديل الدستور، والتوافق السياسي، والاتفاق على مشروع وطني حقيقي؛ لخلق بيئة سياسة داخلية صالحة في بناء الدولة العراقية.
وعلى الحكومة العراقية والقوى السياسية أن تدرك بأن بقاءها على هذا الوضع المتردي هو ذريعة لتدخلات دولية جديدة، وسيجعلها عرضة لالتفافات داخلية بأجندة خارجية، فهناك إرادات خارجية داعمة للحكومة تعمل على إضعاف دورها الإقليمي وبنيتها الداخلية؛ لكي تعطي لنفسها حق التدخل والمساعدة في الشأن الداخلي العراقي. وهذا في الحقيقة بحاجة إلى صانع قرار واعٍ ومتيقظ ودبلوماسي، لا يحكم على ظواهر الأشياء وإنما على بواطنها. وعليه، إذا ما أرادت الحكومة العراقية الخروج من هذا المأزق وبناء دولتها، عليها أن تعمل جاهدة في تأمين وإصلاح ما ذكر، والاستفادة من التجارب الماضية.
هذا التحالف أيضاً يجب أن لا يكون بديلا عن صداقة وحلف الولايات المتحدة، ولذلك يجب على الحكومة أن توائم وتوافق بين التحالفين بين "صداقة الولايات المتحدة وصداقة الروس والإيرانيين". ولربما هذا الدور الجديد للإيرانيين والروس في المنطقة، هو أحد إفرازات الاتفاق النووي الإيراني، ومن الممكن أن تكون عملية الموائمة سهلة، في حال امتلك صانع القرار العراقي عقلية منفتحة ومدركة لما يحصل في المنطقة، مبتعدا عن الصراع الإعلامي والسياسي بين التحالفين وحلفائهم في المنطقة؛ لكي لا يدخل في مأزق سياسي أو دبلوماسي مستقبلي، وعليه يجب أن يتحفظ على ترجيح كفة على أخرى، وأن يحفظ وحدة وسيادة العراق من كلا التحالفين وأقطابهم الدولية والإقليمية.
سوريا
الحديث عن دور سوريا في هذا التحالف هو هراء، فلا يمكن أن نتحدث عن دور سوري فاعل في هذا التحالف بقدر ما لها من دور في الحفاظ على ما تبقى من الأراضي التي تقع تحت سيطرة النظام. والحديث عن سوريا لابد أن يجرنا إلى الحديث عن عدة أطراف متصارعة وتنظيمات إرهابية، فهنالك النظام السوري المدعوم من قبل روسيا وإيران، وهناك المعارضة التي تدعمها واشنطن وحلفاؤها الخليجيون والغربيون، وهنالك تنظيمات إرهابية متطرفة مدعومة دولياً وإقليمياً، أبرزها تنظيم "داعش"، وجبة النصرة جناح تنظيم القاعدة في سوريا، فضلاً عن تواجد بعض التنظيمات والجماعات الإرهابية التي تقاتل في مناطق نفوذها سواء ضد النظام السوري أم ضد المعارضة السورية أم فيما بينها، وهي بالمجمل تنظيمات تشكل تهديدا على مستقبل سوريا والنظام السوري والمنطقة العربية والعالم أجمع.
دور النظام في هذا التحالف سيعمد إلى كسب شرعية دولية أكثر من أي وقت مضى بعد تشكيل هذا التحالف، وموافقة واشنطن والغرب مبدئياً على بقاء الأسد لمرحلة ما بعد "داعش" أو خلال المرحلة الانتقالية، وهذا ما سيعطي وقتاً إضافياً للنظام السوري وحلفائه، وربما الحديث عن زوال الأسد سيزول من قاموس التحالف الغربي في المستقبل، إلا أن السيناريو الذي يمكن تصوره في حالة بقاء الأسد أو بعد زوال "داعش" سيناريو سوريا مقسمة؛ لأنه من غير الممكن أن تعقد المعارضة السورية صلحا وأن تتفق مع النظام بعد مرور على ما يقارب الخمس سنوات من القتل والتهجير وتهديم البنى التحتية، ولهذا فسيناريو الحوار بين النظام والمعارضة مستبعد جداً في ظل بقاء الأسد في السلطة، وعليه ستستمر حالة الصراع بين المعارضة والنظام، وهذا ما سيمثل دور المعارضة في ظل التحالف الإقليمي الرباعي الحالي دون وئام في ظل عجز واشنطن والغرب والخليجيين عن إيجاد حل للأزمة السورية طيلة السنوات الماضية منذ اندلاع الثورة ولحد الآن.
أما بالنسبة للتنظيمات الإرهابية "داعش" وأخواتها، فستكون هي هدف التحالف في قادم الأيام، إذا جد التحالف بشكل فعلي في محاربة تلك التنظيمات، وليس احتوائها كما هو حال التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن. والشيء المؤكد أن تلك التنظيمات إذا ما تُواجه وتُضرب في سوريا بشكل جدي وفاعل من قبل التحالف سيكون لها العمق العراقي أرضا خصبة للتوغل فيه، ولاسيما ذلك العمق الذي عجز التحالف الدولي في تقطيعه، الذي يشمل مدينتي "الرقة وتدمر السوريتين اتصالاً بمحافظتي الأنبار ونينوى العراقيتين". وعليه يجب على الحكومة العراقية أن تكون مدركة لهذا الخطر، وهذا العمق الاستراتيجي لتنظيم "داعش"، وأن تصر على روسيا وإيران بجدية قطع هذا الطريق الاستراتيجي للتنظيم المتطرف.
إذاً، بالمجمل يمكن القول بأن التحالف الرباعي الذي ضم روسيا القوة العظمى والمتطلعة لدور عالمي يعيد أمجادها لزمن الحرب الباردة وبترسانتها العسكرية وسياستها الدولية فهي مؤهلة لذلك. إيران القوية في المنطقة والمتطلعة لنفوذ ودور إقليمي كبير، بقوتها ونفوذها الإقليمي وفصائلها التي تدعمها ودورها في العراق وسوريا واليمن وفلسطين، فضلاً عن لبنان والقوة العسكرية لحزب الله اللبناني، بالاشتراك مع الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي العراقية القريبة أيديولوجيا من إيران، والتي تفضل -الفصائل المسلحة والحشد الشعبي- التدخل والتحالف الروسي على التحالف الغربي الأمريكي، فضلاً عن تواجد الجيش العربي السوري والفصائل التي تقاتل معه، سيكون لهذا التحالف قوة كبيرة جداً قادرة على تغيير موازين القوة لصالحها وصالح الدول المشتركة، وهزيمة تنظيم "داعش" والتنظيمات المتطرفة وطردها، إذا كانت هناك جدية حقيقية لدى روسيا وإيران في محاربة وطرد تلك التنظيمات من العراق وسوريا. لكن هذا لا يعني نجاح التحالف؛ لأنه سيكون له تداعيات على المنطقة في ظل الانقسام السياسي بين دول المنطقة المنقسمة بين التحالفين، إذ أدخله البعض بدواعي طائفية وعدّه بمثابة غزو غربي صفوي لسوريا.
والأسئلة التي تبقى مطروحة بشأن التحالف الروسي–الإيراني: هل هناك جدية حقيقية لدى الروس والإيرانيين في طرد التنظيم، أم أنها مناورة سياسية وعسكرية للتحالف الغربي وللولايات المتحدة الأمريكية، كجزء من سياسة الأحلاف والأحلاف المضادة؛ لضمان مصالح كل منهما في المنطقة، أم هو مجرد تحالف مناوئ للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن؟. وكيف يستطيع صانع القرار العراقي أن يبتعد عن كل تلك التداعيات ومسك العصى من المنتصف والموازنة بين الاثنين؟، فهناك شكوك كبيرة حول هذا التحالف "الرباعي" كما هي الشكوك التي تدور وما زالت دائرة حول التحالف الدولي؛ لأنه لو كانت هناك جدية واضحة بالفعل سواء لدى الأمريكان أم الروس أم الإيرانيين لأشترك التحالفان في تحالف واحد لمكافحة الإرهاب والتطرف في العراق وسوريا والمنطقة ككل، ومن ثم يتفقان حول الحلول السياسية في البلدين.
اضف تعليق