بدا لي مشهد الصورة والعمارة وانا اتجول هناك مساء رفقة الصديق الروائي طه الشبيب، كما لو انه يحمل رمزية تعبر عن واقع البصرة اليوم او الحاجة للاكتمال والتفاؤل بتحققه، فالمدينة التي لم ازرها منذ نحو ثلاث سنين تغيرت كثيرا واخذت تشق طريقها نحو غد مختلف...
على كورنيش شط العرب وتحديدا قرب الجسر المعلق الكبير الذي يربط جانبيه، ارتفعت عمارة غير مكتملة البناء، وقد ثبّت اعلاها ملصق كبير، لعله من مخلفات الحملة الانتخابية الاخيرة لمجالس المحافظات او بعد نتائجها، احتلته صورة لمحافظ البصرة اسعد العيداني، ظهر فيها مبتسما وهو ينظر الى الشط الكبير والكورنيش الذي اكتظ مساء بالمتنزهين ..
بدا لي مشهد الصورة والعمارة وانا اتجول هناك مساء رفقة الصديق الروائي طه الشبيب، كما لو انه يحمل رمزية تعبر عن واقع البصرة اليوم او الحاجة للاكتمال والتفاؤل بتحققه، فالمدينة التي لم ازرها منذ نحو ثلاث سنين تغيرت كثيرا واخذت تشق طريقها نحو غد مختلف، لكن هذا لايعني انها تحررت تماما من اوجاعها المزمنة وإن بدت بعض مناطقها متعافية الى حد كبير.
لقد كنت ضمن المدعوين لمهرجان المربد السنوي الذي يقام هناك، ولاحظت الفرق الكبير بين البنية التحتية للبصرة قبل سنين قليلة وبين واقعها اليوم، حيث الفنادق الفاخرة والشوارع الحديثة وملامح الحياة المدنيّة التي بدت واضحة في لباس الناس وايقاع حياتهم بشكل عام، وان مازالت خجولة بسبب كثرة المحظورات التي اقتحمت حياة العراقيين منذ العام 2003 وغيّرت كثيرا من مناخ البصرة الاجتماعي وثقافتها المعروفة .. حفل افتتاح المهرجان الذي اقيم يوم الاربعاء 7 شباط 2024 في المدينة الرياضية وفي الهواء الطلق، كان مناسبة للتجوال وسط هذا المعلم الحضاري والترفيهي الذي قال عنه صديقي الشاعر المغترب باسم فرات، انه لايقل اهمية وجمالا عن أي معلم مماثل في اروبا.
وفي طريق عودتنا الى الفنادق أخذنا سائق سيارتنا الذي عرفنا انه من اهالي ابي الخصيب الى منطقة كبيرة تقع على الجانب الجنوبي من الشارع الرئيس الذي يربط البصرة بقصباتها الجنوبية وموانئها والخليج، اذ قال لنا انها كانت قبل سنتين مهملة تماما وتغص بالأوحال، لكننا وجدنا انفسنا نسير في شوارع حديثة ممتازة ومخططة واعمدة الإضاءة الموزعة على جانبيها تسرّ الناظرين .. لكن كل ما شاهدناه من معالم جميلة افسدته مناظر البؤس والعشوائيات التي تزاحمت على ضفاف مياه آسنة عند مدخل البصرة، وقد قيل لنا ان المحافظة بصدد معالجة هذه المشكلة مستقبلا!
لااعتقد ان احدا من العراقيين يقصد البصرة من دون ان يحضر في ذهنه العشار، المكان الذي يعيش في ذاكرة الجميع وتتجلى من خلاله صورة تلك المدينة التي تسكن احلام الخليجيين سابقا، حتى قالوا مثلهم الشهير؛ (من لايزور البصرة يعيش بحسرة)! .. فساحة أم البروم والعشار تمثل قلب المدينة وبؤرة روحها المدنيّة سابقا بما تحتويه من محال تجارية وسينمات وحانات وغيرها، عندما كانت البصرة مدينة لاتنام، لكن هذا المكان الان يعكس صورة مختلفة تماما عن بصرة الأمس حيث يفتقر للنظافة وهناك فوضى مرورية والبسطات الكبيرة التهمت ارصفته التي امتلأت بالأتربة، وقد قيل لنا ان البلدية جرفتها لإعادة بنائها من جديد ..
أما نهر العشار الذي كانت الاشجار تحتضنه وينصت مع مائه النقي لأغاني الخشّابة وغيرهم، بات مكبّا للمياه الآسنة ومبعثا للروائح الكريهة، وان تحسن بعض الشيء عما كان عليه قبل سنين! ونعتقد ان الاهتمام بهذا المكان وايجاد الحلول الحقيقية لمشكلته يجب ان يكون اولوية، لاسيما ان هناك مشاريع مهمة كالكورنيش الذي بات معلما سياحيا رائعا، اكثر تكلفة واصعب تنفيذا منه ولانعرف لماذا لم تعالج مشكلة هذه المنطقة التي كلما زرتها وتجولت فيها يعتصر قلبي الألم .. الحديث عن واقع البصرة يطول والأمل بنهوض هذه المدينة قائما، لأن الذي تحقق في سنين قليلة بعد سبات استمر لنحو عقدين سبقهما الحصار والحروب، يعطينا انطباعا ان البصرة ستكون واحدة من المدن الكبيرة والجميلة مستقبلا، وهو ما انبأتنا به المشاريع الكثيرة والكبيرة التي تتوزع المحافظة، وقد شهدنا في طريق عودتنا، بعد انتهاء المهرجان، حركة الاليات في مواقع عمل كثيرة افترشت المساحة بين المطار والمدينة الرياضية وهناك اخرى لم نرها بالتأكيد، لكننا لانعرف هل هناك نهضة صناعية ترافق حملة الاعمار هذه وتغذيها ام ان موانع (فسادية) محلية او اقليمية تحول دون ذلك ولا تقبل بان تكون البصرة اكثر من سوق لبضائعها؟! .. في العموم عدنا من البصرة ونحن نمتلئ املا بنهوض العراق من جديد بعد ان سقطت مشاريع التقسيم، ولو مؤقتا، وقدوم رأس المال الخليجي لها والاستقرار الامني والواقع السياسي الجديد، لاسيما بعد حصول المحافظ على اغلبية في الانتخابات الاخيرة اعادته لمنصبه، ما سيمكنه من تقديم الخدمات التي قيل لنا ان البصريين شهدوا الكثير منها في عهده ويتطلعون الى الأكثر
اضف تعليق