هذا ما حدث بالفعل، فتحولت حالة الإحباط إلى حالة تفاؤل واستعداد مستمر، للسير قُدُما نحو بوابات النجاح التي لا يمكن أن تُغلَق أمام المصرّين على تجاوز ثقافة الإحباط، نحو تحريك ثقافة النجاح، والاستمرار في ذلك، وهي ثقافة النجاح أو الفوز والتفاؤل، حيث نحن بحاجة إلى هذه الثقافة كبديل...
الحاضنة الاجتماعية هي التي تزرع الخصال والسلوكيات في ذات الفرد، فهناك قيم يتحلى بها المجتمع ويتمسك بها، سرعان ما تتغلغل هذه القيم إلى ذات الإنسان، ومن ثم تتحول إلى سلوكيات وأفعال، في السابق كانت هناك سلوكيات عند العراقيين تدل على غياب الإصرار عندهم، أو ضعف وتخلخل حالة الثبات على النجاح، وهناك عزوف عن التجريب والمحاولة.
فإذا فشل أحد العراقيين في جانب أو نشاط معين، فإنه لا يفكر في إعادة الكرّة ولا يجرب مرة ثانية وثالثة، ومن أكثر الأسباب التي توقف الرغبة بالإصرار عند العراقي في إعادة المحاولة والاستمرار في تجريبها، أولئك الناس الذين يحيطون به، والقريبون منه، كالأسرة، والمدرسة، أو مكان العمل، والاصدقاء، فهؤلاء جميعا هم السبب في عزوف الفرد العراقي عن محاولات الإصرار على النجاح، وعن رفض فكرة التجريب الأزلي، لماذا؟
السبب يكمن في أن هؤلاء المحيطين بالفرد الذي يفشل هنا أو هناك، يمنعوه من التجريب الثاني، ويعارضوا هذه الفكرة، ويخبروه بأنه غير قادر على النجاح طالما أنه فشل في هذا المضمار، وعليه أن لا يصرّ ولا يجرب حظه كونه فشل في المرة السابقة، وهكذا تتم زراعة الإحباط بشكل مكثّف في أعماق الإنسان، فتجعله هذه الحالة يفكر أكثر من مرة قبل أن يكرر المحاولة والعبور من الفشل إلى النجاح.
البشر سواسية عضويًا
ثقافة الإحباط هذه كانت منتشرة بين العراقيين بشكل كبير، لدرجة أن هنالك أمثالا شعبية تكرس هذا النوع من الثقافة بين الناس، فيُقال الكلام المعروف بين العراقيين ويرددونه دائما (العراقي ما يصيرله جاره)، أي أن الفشل يلاصق العراقي في حلّه وترحاله، وهذا كلام غير دقيق، وليس له نصيب من الصحة واقعيا.
فالعراقي ينتمي إلى الإنسانية، ومواصفاته الجسدية والروحية والمعنوية لا تختلف عن أفراد الأمم الأخرى، لهذا فما يفلح فيه الإنسان في مشرق الأرض أو في مغربها ينطبق على العراقي أيضا، وليس صحيحا أن يوصَ الفرد العراقي بصفات تحطّ من شأنه، إلا إذا كان الهدف من باب التثبيط.
الدليل هو نجاح العراقيين والنهوض مرات ومرات من قبضة الفشل وطرْق أبواب النجاح مرة بعد أخرى، وأقرب مثال هنا يتمثل بما تعرض له المنتخب الوطني في مباراته (الظالمة تحكيميا) أمام منتخب الأردن في تصفيات أمم آسيا التي جرت مؤخرا في الدوحة بقطر.
حيث تم إلحاق الهزيمة بالفريق العراقي رغم كونه المنتصر والمتقدم حتى الدقائق الأخيرة من المباراة، ولكن صنّاع ثقافة الإحباط اصروا على أن يلحقوا حالة الفشل بالفريق العراقي، وهم يعرفون جيدا بأن الشعور بالفشل والحزن والإحباط سوف يطول العراقيين جميعا، ولعل ما لحق بالمنتخب الأردني في المباراة النهائية أكد أن من يكسب بالباطل سيخسر بالباطل أيضا.
النهوض من الكبوة مجدّدا
لكن كيف تصرف العراقيون مع هذه الكبوة المفتعلة أو الخارجية (التي تم التخطيط لها مسبقا من قبل بعض الجهات المستفيد من إقصاء الفريق العراقي بحسب محللين حياديين)، فحين نراجع المواقف نلاحظ أن جميع المسؤولين تصدوا لحالة الفشل والإحباط قبل أن يتفشى في نفوس اللاعبين، وجميع الكادر من مدربين وأعضاء المنتخب، هؤلاء جميعا كان لديهم إصرار واضح وقوي جدا على عبور حالة الإحباط بإصرار كبير وتمسك بالإرادة القوية.
ولاحظنا ذلك من خلال تصرفات رئيس اتحاد كرة القدم، والكادر التدريبي واللاعبين وحتى رئيس الوزراء استقبل الكادر الرياضي كله بنفسه، واثنى على جهودهم وحثهم على الاستعداد للمرحلة المقبلة، وهذا يعني أن هناك إصرارا كبيرا على تفتيت ثقافة الإحباط، وقد ضربنا هذا المثال كونه حادثة واقعية قريبة جدا، كبا فيها العراقيون لكنهم نهضوا بسرعة.
وهذا ما حدث بالفعل، فتحولت حالة الإحباط إلى حالة تفاؤل واستعداد مستمر، للسير قُدُما نحو بوابات النجاح التي لا يمكن أن تُغلَق أمام المصرّين على تجاوز ثقافة الإحباط، نحو تحريك ثقافة النجاح، والاستمرار في ذلك، وهي ثقافة النجاح أو الفوز والتفاؤل، حيث نحن بحاجة إلى هذه الثقافة كبديل لابد منه للحد من ثقافة الإحباط، أو القضاء عليها تماما.
اضف تعليق