q
التظاهر بالديمقراطية في طريقة إدارة الدولة ومؤسساتها وعمل الحكومة وتنظيم الانتخابات لا يعني ان الجوهر بعيد عن منهاج الاستبداد، بل هو جزء من عملية ممنهجة لتطويع المجتمع بمظهر ديمقراطي وجوهر ديكتاتوري، وان الديمقراطية مجرد غطاء يضفي الشرعية للنخبة الحاكمة للاستمرار في السيطرة، وهي اشبه بتوطين للديمقراطية جعلها أكثر...

في بلادنا الإسلامية والعربية غالباً ما ينظر الى الديمقراطية باعتبارها جزء من شعارات الحكومات المتعاقبة التابعة الى الأنظمة المتسلطة ذات الطابع المتأرجح فيها، وبالتالي "التمسك بالشعار الفارغ وإن كان يتصور فائدته على مستوى السطح ولكنه يضر في العمق لأنه يصرف الأنظار والأفكار عن حقيقة العمل وعمقه إلى مجرد الكلام، وكذلك كونه وقتيا لا يستمر في تأثيره طول الخط"، اذ ان جمع التناقضات في سلة واحدة امر وارد جداً، فالديمقراطية والاستبداد وجهان لعملة واحدة.

الشعارات لا تكفي لبناء الانسان والمجتمع وحماية حقوقه وتطوير الدولة وعمل مؤسساتها لتقديم الخدمات العامة وتوفير الحريات وتحقيق الامن والرفاه والسعادة لشعوبها، بل الفعل الصحيح والعمل الصادق هو القادر على تحقيق هذه الأمور وغيرها، كما أشار اليها المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي: "ولهذا لابد أن يكون فعل الإنسان أكثر من قوله وينبغي ألا يكون حتى مساويا له فكيف يكون العمل أقل من القول".

وهي حقيقة شخصها المصلحون العاملون على الإنجاز بعيداً عن الشعارات والاقوال التي تسقط الحكام والأنظمة والمؤسسات في زاوية الكذب والنفاق وفقدان السمعة في ضمير المجتمع الذي سيستغني عنها في نهاية المطاف: "فإذا فقدت الحكومة سمعتها تسقط، إذا كانت حكومة ديمقراطية ويبدلها الناس بحكومة أخرى، أما إذا كانت غير ديمقراطية فإنها تسقط بثورة الشعب أو شبه ذلك كما رأينا ذلك في الحكومات الدكتاتورية على طول التاريخ".

ان التظاهر بالديمقراطية في طريقة إدارة الدولة ومؤسساتها وعمل الحكومة وتنظيم الانتخابات لا يعني ان الجوهر بعيد عن منهاج الاستبداد، بل هو جزء من عملية ممنهجة لتطويع المجتمع بمظهر ديمقراطي وجوهر ديكتاتوري، وان الديمقراطية مجرد غطاء يضفي الشرعية للنخبة الحاكمة (أحزاب/جماعات/افراد/ دولة عميقة) للاستمرار في السيطرة، وهي اشبه بتوطين للديمقراطية (جعلها أكثر تكيفاً مع الثقافة المحلية السائدة)، وأقرب الى الفوضى واللامسوؤلية.

لذلك يعتبر الشيرازي ان "ما نراه في بلادنا من فوضى واضطرابات هو نتيجة لتحكم الاستبداد والدكتاتورية"، الذي يخلق هالة من التضليل والزيف ويمارس الخداع تجاه المجتمع من اجل تبرير حجم الإخفاق وتغطية المشاكل التي يعاني منها الفرد، لكن الواقع على الأرض يفضح حجم المأساة وخطورة الوضع، سيما وان "الاستبداد مستنقع مملوء بالأوبئة الفاسدة التي تنشر الأمراض بالمجتمع: كالطغيان والظلم والفقر والقمع والسجن والتشرد والحروب وغير ذلك".

ان الديمقراطية الحقيقية، كما يرها الامام الشيرازي (رحمه الله)، ترتبط برباط وثيق مع "الحرية" فهي: "أصل يعطي للإنسان الحق في أن يختار أي شيء أو يقول أي كلام أو يفعل أي فعل أو... حسب إرادته كما تقر ر ذلك في العقل والشرع"، وهي (الحرية): "لا يمكن أن توجد إلا بعد أن تكون مستندة إلى الأحزاب الحرة والمؤسسات الدستورية" التي تقوم على تطبيق مبدأ الشورى (الديمقراطية) مظهراً وجوهراً، "أما ما نراه اليوم من كثرة المشاكل وزيادة الفساد في كثير من البلاد الإسلامية فلترك القوانين الإسلامية وكبت حريات الناس والظلم الكثير وما إلى ذلك".

في مقابل الديمقراطية (الشورى)، فإن منهاج الاستبداد يعزز من سطوة الظلم والجور ومصادرة الحريات وسلب الحقوق وتشجيع الفوضى وضعف القانون والنظام وانتشار الفساد وجعلها جزء من ثقافة المجتمع من اجل تطويعه وسهولة انقياده وتبعيته الى السلطة الحاكمة، ومن ملامح الاستبداد الأخرى:

1. سيطرة قلة من النخبة الحاكمة على مقاليد الحكم، لتتحكم في الأكثرية من خلال قمعها واضطهادها وفرض افكارها وسياساتها واجنداتها الخاصة بعيداً عن تطلعات الطبقة المحكومة.

2. التدمير الممنهج للاقتصاد والتحول من الإنتاج الى الاستهلاك في ظل نظام ريعي يعتمد فيه المواطن على ابوية الدولة بدلاً من العمل والإنتاج.

3. محاربة البنية الثقافية والعلمية والاجتماعية التي تمثل هوية المجتمع الحضارية واستبدالها بهوية استبدادية ذات لون واحد قائمة على الخوف والرعب.

وفي خلاصة القول يمكن معرفة الفرق بين منهاج الاستبداد الذي يعمد الى توطين الديمقراطية للتغطية على هذا المنهاج لكسب الوقت والاستمرار في السلطة وما فيها من مكاسب، وبين المنهاج الديمقراطي (الشورى) التي بدورها تحتاج الى مجموعة من الأدوات منها:

1. تطبيق القوانين التي تنسجم مع الفطرة الإنسانية وتتوافق مع مصالحه وتطلعاته.

2. ضرورة وجود الحريات العامة وحمايتها، باعتبارها أساس تقدم الانسان وتطور المجتمع.

3. وجود الأحزاب والمنظمات والمؤسسات الدستورية التي يحركها نظام التعددية حتى تتنافس هذه الأحزاب بكفاءة وتراقب الحكومة لكيلا تنحرف.

4. تطوير الاقتصاد وتحقيق الاكتفاء الذاتي عبر الاعتماد على الصناعة الوطنية وتقويتها وتطوير الزراعة والثروة الحيوانية عبر إعطاء حرية العمل والتجارة والصناعة والزراعة.

5. التنشئة السليمة للأجيال وفق مفاهيم الديمقراطية وقيم التقدم والحرية ورفض الاستبداد والظلم والفساد.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2023
http://shrsc.com

اضف تعليق