الدولة تتقدم وتذهب صوب التطور بصورة تراكمية، ويكون ذلك حصيلة التجارب الصحيحة والخاطئة للحكومات وحكام السلطة القادمين بموجب الانتخابات التي تميز النظام الديمقراطي عن غيره، لكن ما يحصل في العراق منذ تأسيس الدولة الحديثة في عشرينات القرن الماضي لغاية الآن عكس المفهوم السابق...
يُساء الفهم ويصعب التمييز بين مفهوم ووظيفة كل من الحكومة والدولة بصفتها الإطار العام الذي يضم مؤسسات الدولة كافة، يشمل ذلك الوزارات الأمنية والخدمية وكل ما يسهم في تكوين الكيان العام الذي يجب ان ينمو ويتطور بعيدا عن اختلاف وجهات النظر السياسية التي تدير دفة الحكم.
الدولة تتقدم وتذهب صوب التطور بصورة تراكمية، ويكون ذلك حصيلة التجارب الصحيحة والخاطئة للحكومات وحكام السلطة القادمين بموجب الانتخابات التي تميز النظام الديمقراطي عن غيره، لكن ما يحصل في العراق منذ تأسيس الدولة الحديثة في عشرينات القرن الماضي لغاية الآن عكس المفهوم السابق.
جميع رجال السلطة يعتقدون بوجوب ان تكون الحكومة هي الدولة ولا يوجد حد فاصل بينهما، فهم لا يدركون ان الحكومة هي أداة او جزء من بقية المكونات التي تسير عمل الدولة وترسم خططها الاستراتيجية وتحدد ملامح علاقاتها الدولية ومواقفها من الاحداث الجارية على المستوى الإقليمي والدولي.
ولكي لا نذهب بعيدا سنركز الحديث على الشأن الداخلي العراقي، ففي العراق تتأثر مؤسسات الدولة كافة بتغيير الحكومات، وكأنه يصعب فك الارتباط او الفصل بين حدودهما، وعليه يترتب اثر توقف جميع الخدمات والمشروعات التي شرعت بها الحكومة السابقة حتى لا يدرج ضمن إنجازاتها وتبدأ الحكومة اللاحقة بمشروعها من جديد.
بينما الامر ليس كذلك في الدول العظمى التي وصلت الى ابعد نقطة في مفهوم التنمية الحديثة، واستطاعت ان تفصل وتميز بين الحدود العامة للحكومة والدولة، وعلى الرغم من تعاقب الحكومات تبقى الاعمال التنموية والمشروعات النهضوية مستمرة بالعمل غير متأثرة بالمناخ السياسي، تحكمها مصلحة البلد العليا.
العكس من ذلك تماما يحصل في العراق، عندما تأتي حكومة تلعن اختها، وتضرم النار لتحرق وتنسف آثارها. بعد تغير النظام جاءت الشخصيات السياسية وعملت على طمس جميع المظاهر التي ترمز الى النظام السابق، غيرت ديكورات الأبنية والوزارات في قصد منها لمحو الآثار السيئة للنظام البائد.
وضع أساس هذه النظرية حاكم السلطة المدنية في العراق بول بريمر، عندما امر بحل الجيش العراقي، وغيره من الاجهزة الأمنية التي تحمل قدرا كبيرا من الخبرات الأمنية التراكمية، وبذلك تهدمت احدى اهم اركان الدولة العراقية، الى جانب ذلك مطاردة الشخصيات التي ادارت المؤسسات الحكومية في ذلك الوقت بغض النظر عن كفاءة ومهنية بعضها.
وفي الحقيقية كل هذه الإجراءات ليس لها دلالة سوى ان الحاكمين لا يؤمنون بضرورة ان تبقى للمؤسسات الحكومية السابقة هيبتها بصرف النظر عن المُشيد لها، طالما تبقى شاخصة وتعطي إشارة الى الأجيال القادمة، وبذلك تتجلى الرؤية القاضية بعدم الفصل بين الدولة والحكومة.
الحال هذه توضح باختصار ما يجري في العراق بعد التغيير والتحول الى النظام الديمقراطي، فقد ربطت الحكومات السابقة والحالية الدولة بمصيرها، فان انتهت صلاحيتها في إدارة الحكومة، عطلت كل ما يتعلق بالدولة وتطويرها، ومن المآخذ على عمل حكومات ما بعد 2003 هو اتباعها أسلوب ابتلاع الدولة ولم تكن يوما عضيدا او مقوما لها.
فرق شاسع بين المفهومين والوظيفتين، (الحكومة والدولة)، ومتى تمكن رجال الحكم في البلاد من العمل على مبدأ يحقق بناء الدولة عبر العمل الحكومي، حينها نكون قد وصلنا على اعتاب تكوين دولة عظمى لا تتأثر بالمتغيرات السياسية.
اضف تعليق