القلب ينفطر على وفاة وإصابة الاف الحجاج في مشعر منى بطريقة مروعة وبشعة، انها مأساة وكارثة إنسانية، وقد تحدث عدد من الناجين من الموت بأعجوبة حول أسباب وقوع الكارثة، بانه سوء إدارة وتنظيم من قبل السلطات المسؤولة عن تنظيم الحج، وقد تم توثيق ما حدث بالصوت والصورة عبر مقاطع التصوير، ولكن المحزن جدا هو خطاب السلطات السعودية، الذي شكل صدمة للحجاج وللعالم، بعدم تقديم الإعتذار والاعتراف بالتقصير -فالاعتراف بالخطأ فضيلة-، حول وقوع المجزرة والكارثة وتحمل المسؤولية الكاملة، بل حاولت السلطات السعودية البحث عن كبش فداء للمجزرة كما هي العادة، عبر تحميل الضحايا البسطاء من الشهداء والجرحى مسؤولية وقوع الكارثة!!.
وفي الحقيقة ما حدث من كارثة ومجزرة في الحج هو حلقة من حلقات غياب العدالة والحقوق، وانتشار الفساد في جسد المملكة بسبب سياسة السلطة الحاكمة،.. ونتيجة سيطرة وزارة الداخلية -ذات العقلية الأمنية التي تتعامل بالبطش والاعتقال والترهيب- على مؤسسات الوطن ومنها إدارة الحج، مما سبب يسبب وقوع المزيد من الأزمات والكوارث داخل الوطن وخارجه.
ومهما قيل تبقى السلطات السعودية هي الجهة المسؤولة حول ما حدث من ازمات وكوارث، فهي التي ترفض الإصلاح والتغيير، ومشاركة ومساهمة اي جهة أو شخصية في نجاح الحج دون وقوع كوارث.
الطبقية والمحاباة
لقد تم نشر العديد من مقاطع الفيديو بالصوت والصورة تظهر وتوضح الأسباب التي ساهمت في وقوع كارثة مشعر منى، استشهاد نحو 769 واصابة 934 (حتى لحظة الكتابة)، ومنها سياسة الطبقية والمحاباة من خلال السماح لسيارات -اي موكب وليس سيارة- للسير في طرق مشعر منى، وهي مواكب خاصة للأمراء والشخصيات، وذلك على حساب ملايين الحجاج، وقيام رجال الأمن بممارسة كافة الأساليب لإبعاد الحجاج المشاة عن تلك الطرق وبحجز الحجاج خلف بوابات ومنعهم من التحرك لعبور الموكب فقط، مما سبب مشاكل وتكدس ثم تدافع ووقوع الكوارث في هذا العام وكل عام.
مسار الموت
كما تظهر هذه المقاطع سوء التنظيم والتسبب في وقوع مجزرة -مشعر منى- عبر حشد الحجاج في طرق ومسارات ضيقة لا تستوعب تلك الاعداد الغفيرة، ووضع بوابات لتلك المسارات تغلق فجأة من قبل رجال الأمن نتيجة مرور شخصيات هامة، مما ساهم في حدوث الازدحام والاختناق في ظل استمرار التدفق البشري، بالإضافة إلى عدم وجود أي مخارج للطوارئ، مما جعل بعض الحجاج يفكرون بالبحث عن أي طريقة للخروج من مسار الموت كالتوجه للمخيمات الجانبية -ولكن للأسف يوجد حواجز حديدية فوقها مسامير تعيق تجاوزها، والقوات الأمنية تمنعهم- فكان خيار البعض في هذا الوضع المأساوي المشي عكس اتجاه المسار للنجاة، مما زاد من خطورة الوضع، في ظل عدم اكتراث الجهات المسؤولة والقوات الأمنية بفتح البوابات إستجابة لصراخ وإستغاثة الحجاج، ولفك الاختناق الواضح بسرعة، إلا بعد وقوع الكارثة!!.
هل من الحكمة تحديد مسارات ضيقة لأعداد غفيرة جدا دون وجود اي مخارج طوارئ، ولماذا السماح لسيارات بعض الشخصيات باستخدام تلك الطرق في المشاعر؟.
أين كاميرات المراقبة الدقيقة والمتطورة التي لم تتمكن من رصد ملايين البشر وحالة الإزدحام والاختناق وبداية التدافع، ثم سقوط مئات الشهداء في منى، لتمنع وقوع الكارثة، انها ربما مشغولة في تأمين راحة الشخصيات المهمة فقط أو لا تعمل؟!.
السلطات السعودية مطالبة بالكشف ونشر عما سجلته الكاميرات من مقاطع في مشعر منى كما هو دون حذف، وذلك بشكل عاجل، فالتأخير في نشرها دليل على عدم الشفافية ويجعل هناك أكثر من علامة !؟.
الحجاج ضحايا سياسة فاشلة
وإذا حدثت الكارثة في مشعر منى بسبب تدافع الحجاج وعدم انضباطهم- كما تحاول الجهات الرسمية للتبرير والتهرب من المسؤولية-، فهو أي التدافع والتكديس نتاج طبيعي لسوء التخطيط والتخبط وعدم القدرة على التنظيم (الفشل الذريع المتكرر) وعدم وجود خطط لمواجهة اي حالات طارئة وبديلة؛ اما حول عدم الانضباط فهذه كذبة كبرى، والحقيقة ان الحجاج ضحايا لا حول ولا قوة لهم سوى الخضوع والاذعان لتوجيهات الجهة المسؤولة عن الحج وهي الحكومة وبالخصوص وزارة الداخلية.
فساد وفتنة
سقوط هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى في مشعر منى، هو تأكيد على وجود الفساد والتقصير، والطبقية في التعامل بين الحجاج عبر تقديم الشخصيات، واستغلال الحج لمصالح خاصة تجارية، ولتحقيق أهداف ومشاريع خاصة بالحكومة السعودية، كالنيل من المسلمين كما فعل مفتي السعودية خلال خطبته يوم عرفة المليئة بالتجاوزات الشرعية، وكذلك أوامر وزارة الداخلية التي تؤكد دائما على عدم استغلال الحج لأغراض سياسية!. حيث كانت خطبته سياسية بامتياز وبالخصوص في الشأن اليمني -عفوا المفتي قرأ بيان حكومي سياسي لتبرير حربها على اليمن- فهي خطبة رسمية لا تتناسب مع يوم الرحمة والمغفرة والتوبة،.. لاحتوائها على كل ما يدعو للفتنة والتحريض والتجييش والتشجيع على الحرب وقتل للمسلمين -نتيجة خلاف سياسي- على أساس أنها طاعة. بالإضافة لحرمان بعض المسلمين من الحج لأسباب سياسية، وهذه الأفعال تتنافى مع رسالة الحج المساواة والبساطة وتوحيد الكلمة.
هل من رسالة الحج الطبقية والتفرقة بين الحجاج، ليكون لبعض أفراد العائلة الحاكمة والشخصيات الرسمية وضيوف الحكومة تميز وتمييز لأداء حج مريح بمواصفات وخدمات خاصة تختلف عن بقية الحجاج كإخلاء موقع الطواف حول الكعبة الشريفة وغيره من الحجاج لهم فقط، والسماح لهم باستخدامهم السيارات في المشاعر على حساب بقية الحجاج، هل هذا العمل من السنة النبوية وأين أهداف رسالة الحج الحقيقية ومنها المساواة والمشقة؟.
إهانة الإنسان
من المشاهد المؤثرة والبشعة جدا في كارثة مشعر منى، والتي ساهمت في حالة الغضب، تعامل السلطات السعودية مع جثث الشهداء الغالية على أحبتها، عبر رميها على جوانب الطريق -متراكمة فوق بعض- بشكل مقزز جدا، فيه إهانة للإنسان، ألا يوجد طريقة أفضل من ذلك أم ان جسد الإنسان عند هؤلاء لا قيمة له؟!.
إلى متى سيستمر مسلسل وقوع الكوارث والمجازر وسقوط الشهداء من الحجاج في كل عام، كما حدث هذا العام من سقوط رافعة على المصلين في بيت الله الحرام أدى لاستشهاد أكثر من مئة حاج وإصابة المئات، مرورا بحريق فندق ضخم يتواجد فيها الالاف، ووصولا إلى مجزرة مشعر منى وسقوط أكثر من 1700 حاج بين شهيد ومصاب (لغاية لحظة الكتابة)؟.
إذا كان بيت الحرام والمشاعر هي ملك لكافة المسلمين، لماذا لا يتاح المجال لمشاركة اي دولة أو أي شخصية للمساهمة في تقديم خدمة أفضل للحجاج دون كوارث ودماء وقتلى؟.
لماذا وزارة الداخلية -الامنية- هي الجهة المسؤولة عن إدارة الحج، وهل الحج قضية أمنية بوليسية، ولماذا لا تتغير هذه الجهة في ظل الفشل المتكرر من خلال تعاملها مع الحج بحس وهوس أمني وليس خدماتي وإنساني، وهل سيتم محاسبة المسؤولين عن تكرار وقوع الكوارث في الحج بسبب الخطط الفاشلة؟.
رحمة الله الواسعة على روح من سقطوا ودهسوا وقتلوا.. فهم شهداء. إنا لله وإنا إليه راجعون.
اضف تعليق