لاتفرد العلوم الإنسانية نظرية عامة تتناول فيها السلطة، وهو مايبدو غريبا للباحثين. وتعليل ذلك، كما يذكر معجم العلوم الإنسانية، ان كلمة (سلطة) الشائعة جدا في القاموس اليومي، لا يمكن ربطها بأية أطروحة كبيرة. ولا باي مثال معياري يمكن ان يغطي وجوهها المختلفة.
وفي المقابل نحن نملك عددا لا يحصى من الدراسات حول مختلف وجوه السلطة كما تعبر عن نفسها في الدولة، التنظيمات، او عبر العلاقات الشخصية. يهتم العلم السياسي حصريا بالسلطة السياسية –والدولة بشكل خاص-وبأشكال النظام السياسي. ويهتم علم الاجتماع بالسلطة وهي تعمل. وبشكل عام يدرس علم الاجتماع اشكال السلطة (في المدرسة والاسرة، الخ) ويحلل علم النفس الاجتماعي اليات التأثير والخضوع الارادي، ويدرس علم السلوك الحيواني اشكال التراتبية والسيطرة في العلاقات بين الحيوانات.
ماهي السلطة؟
نحدد السلطة غالب الأحيان بوصفها القدرة على فرض الإرادة على اخرين. يقترح ماكس فيبر هذا التعريف العام: السلطة هي الحظ في فرض الإرادة الخاصة وسط علاقة عامة، حتى لو صادف ذلك مقاومة الغير. ويعترض جان باشلر على هذا التعريف واصفا اياه بالعمومية. ومع ذلك فبالإمكان تطبيق هذا التعريف في مواقف مختلفة: رئيس الدولة الذي يفرض ضريبة جديدة او يقرر العفو عن سجين، الشرطي الذي يوقف سائقا لتجاوزه السرعة المسموح بها، الام التي تامر ابنها ان ينام وتمنعه من مشاهدة التلفزيون، رئيس الشركة الذي يعطي أوامره لموظفيه، الأستاذ الذي يملي فروضه على الطلاب، وكلب الحراسة الذي يقود الحيوان.
يمكننا من خلال هذه السلسلة البسيطة من الأمثلة ان نستنتج بعض النتائج المهمة:
لا تتعلق السلطة الا بالسياسة، وهذا ما نشهده في كل مكان، في الشركة، في المدرسة، في الاسرة.
ان السلطة ليست حالة فقط، وضعية معينة، نوعا من الرأسمال مودعا عند شخص معين، انها تبنى من خلال العلاقة، حيث تتعلق قوة الواحد بمقاومة الاخر. بإمكان الولد ان يقاوم امه، ان يبكي، وان يتلوى على الأرض ويستدر عطفها، بإمكان الموظف ان يعود الى حقوقه، وان يلجأ الى الصراع والمقاومة السلبية ليعارض وان جزئيا، املاءات من استخدمه. فلا سلطة إذا من دون وجود سلطة مناوئة.
بكل بساطة لا تبنى السلطة وسط العلاقة الثنائية بين شخصين. فالأستاذ لا يكون تجاه طلابه ضمن علاقة وجه لوجه الا بشكل ظاهري. فاذا كان يمارس سلطة ما، فذلك يعود الى الوضعية التي يتمتع بها والتي تسمح له عند الضرورة بتحريك القوى الخارجية (الإدارة – المجلس التأديبي – الاهل).
أعمدة السلطة الثلاثة
تقوم السلطة على العديد من المكونات: القوة الخالصة، السيطرة على الموارد والخيالي. وتعتبر القوة بكل تأكيد عنصرا حاسما. ومقاومة ذلك جسديا هو اول عناصر التجاوز. وبإمكان الدولة في اجراء أخير ان تحبس المقاومين والخارجين عن القانون. وبإمكان الاهل عند الحاجة السيطرة على الولد من خلال المعارضة الطبيعية. فالقوة والتهديد هما من أعمدة السلطة.
لكن القوة وحدها لا تكفي. فمصادر القوة الأساسية تأتي من أماكن أخرى: من خلال السيطرة على الموارد الاستراتيجية، المال، والمعلومة، او من خلال الموارد المادية أيضا. إذا كان مدير الشركة يتمتع بسلطة كبيرة على موظفيه، فذلك لأنه يملك وسيلة استخدامهم او صرفهم من الوظيفة. والأستاذ يوزع العلامات التي تتحكم بمستقبل الطالب. يشكل ذلك أداة قوية لفرض القانون. كما تعتبر السيطرة على الموارد من الأمور التي تكفي لجعل الأشخاص في حال تبعية وخضوع. والى ذلك يضاف الخيالي، فاذا كانت القوة تفرض على الجسد، فان الخيالي يهدف الى اخضاع الأرواح. وتستند شرطة الأفكار الى الأيديولوجيا والعنف الرمزي، والى استخدام كل مظهر قوة يؤمن مشروعيتها.
السلطة الخيالية
بإمكاننا ان نفعل كل شيء بواسطة الحرية، ماعدا الجلوس فوقها. هذا ما أعلنه نابليون. يعلن نابليون أيضا: ارسم تصميم معركتي بواسطة أحلام جنودي النائمين. على طريقته يلخص نابليون هنا بعدين من ابعاد السلطة. القوة الخالصة أولا، التي تلزم، تحجز وتهدد. الا ان ذلك لا يكفي، ما يوجب ان يضيف الخيالي اليها. ان القائد يبيع الرجاء والامل أيضا. هذا ما اضافه نابليون أيضا.
في كل مكان سعى المعلمون، الملوك، القادة والحكام، لتبرير سلطتهم اذ جعلوا انفسهم الممثلين لقوة مقدسة او المتكلمين باسمها. وتزعم شعوب بارويا في غينيا الجديدة، ان الرجال الكبار قد اكتسبوا قدرتهم من غرض مقدس، والذي يفترض ان يكون قد وصل الى اجدادهم من الشمس او القمر وهم يتناقلونه من جيل الى جيل. يتضمن هذا الشيء السحري جزءا من السلطة التي تهبها الشمس او القمر لمن يصل اليه. لقد أعلن فراعنة مصر واباطرة الصين واليابان ان ممالكهم ذات أصل إلهي، تماما كملوك اوربا الذين بحثوا باستمرار عن مسحة من الله.
يترافق خيالي السلطة مع عدد من الممارسات الرمزية، أي مع عدد من الطقوس والأمور المسرحية. تاج، عرش، لباس موحد، منصة رسمية، بساط احمر، قصور ومسكوكات. انها جملة من الأغراض تذكر بقوة القائد وغرس ذلك في النفوس، والى جانب الزينة تضاف الممارسات الطقوسية النموذجية التي تبرهن على قوة الحاكم السحرية. في القديم كان يصار الى إعطاء البركات. في أيامنا توزع الاوسمة وتوضع الحجارة التأسيسية او يقطع الشريط او يصار الى ممارسة العفو الرئاسي. وخلف مظهرها المختلف فان السلطة الرمزية والخيالية هي سلطة عالمية في تمظهراتها وهي ثابتة عبر كل العصور.
يمكن تحديد خواص السلطة على النحو التالي:
1- تظهر السلطة المعتمدة على العلاقات وقوة شخص ما أو دولة ما إلى العيان عندما تستطيع التأثير على العلاقات المستقرة لبقية الأشخاص أو الدول.
2- للسلطة، مفهوم نسبي ومتعلق بالظروف وإذا ما كان لأحد ما سلطة ما فإنه ينبغي على الأخرين الاذعان مقابل استخدامه لها.
3- للسلطة جانبين، سلطة واقعية، والتي يمارسها الشخص والمجموعة والحكومة والدولة، والسلطة الاحتمالية، والتي تستطيع القوى الاجتماعية والسياسة ممارستها لكنها ولأسباب خاصة تمتنع عن استخدامها.
4- السلطة تعني القدرة على التأثير على الآخرين: ويعتبر هذا الأمر الخاصية الأساسية للسلطة. فالقوى الاجتماعية-السياسية تكون مالكة للسلطة عندما تستطيع أن توجد تغييراً في سلوك القوى الاجتماعية – السياسية الأخرى بناء على إرادتها.
5- السلطة مع ضمان التنفيذ: ينبغي أن يكون للسلطة ضمان التنفيذ. فالسلطة التي لا تضمن التنفيذ أو الاجبار لا يمكن أن تكون سلطة.
6- السلطة هادفة: تستخدم السلطة من أجل الوصول إلى الأهداف. و إلا فلن يكون لها أي معنى. حيث يقول "كارل دويتش" لا تأثير للإرادة دون سلطة، و لكن السلطة بدون إرادة لا يمكن أن تكون مؤثرة إلّا في الحالات النادرة.
اما مصادر السلطة الفردية والاجتماعية فهي:
1- العلم: في المجتمع المتعلم لا يمكن لأي قائد أن يصل إلى السلطة أو يقوم بتطبيقها مالم يكن يتحلى بالعلم الصحيح و المناسب.
2- التنظيم: التنظيم بحد ذاته سلطة و ما تشكيل الأحزاب السياسية في الأنظمة الديمقراطية إلا لتحقيق هذا الهدف.
3- المكانة: تعتبر المكانة منبع القدرة. فالمكانة الاقتصادية تساعد صاحبها على التغلب على معارضيه. كما أن المكانة الاجتماعية تساعد الآخرين من أجل كسب السلطة والنفوذ. كذلك فإن المكانة الدينية تعتبر أحد مصادر السلطة والنفوذ.
4-الاقتدار: الاقتدار هي السلطة المشروعة. أي الوصول إلى المكانة السياسية أو الحقوقية وفقاً للقانون وبشكل مشروع، يزيد من سلطة الفرد ونفوذه.
5- المهارة: تزيد هذه الخصلة من سلطة الفرد. حيث أن الشخص الذي يتمتع بالمهارة والتخصص في مجال من المجالات، يمكنه التفوق على الآخرين الذي لا يمتلكون المهارة في هذه المجالات.
6- الإيمان: للحفاظ على الاقتدار أو تطبيق السلطة، لا يكفي الاعتماد على القوة وحدها. لذلك فينبغي للحكومة أو القائد التحلي بالإيمان من أجل ديمومة سلطته.
7- وسائل الاعلام : فوسائل الاعلام هي أحد المصادر الهامة للسلطة. حيث يمكن لرؤساء التحرير في المطبوعات المختلفة أن يمارسوا تأثيراً كبيراً على المجتمع. كما أن للراديو والتلفزيون تأثيراً كبيراً على الافكار العامة. لذلك تعد وسائل الاعلام مصدراً هاماً في خدمة الحكام.
اضف تعليق