تتسارع الخطوات العسكرية والدبلوماسية بين الدول الكبرى نحو مكافحة الارهاب في سوريا والعراق، وفي هذا التسارع الكثير من الخلافات فيما بينها حول الاولويات التي تؤشر ضعف التنسيق وحجم التضارب في المصالح، سيما وان سوريا، التي شكلت (مفترق الطرق) بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية مع حلفائها... فضلا عن حلفاء سوريا مع الاخرين، وبالاخص دول الخليج وتركيا.
روسيا التي فتحت ذراعيها لمنع انزلاق النظام السوري نحو الهاوية، كثفت تحركاتها العسكرية، واجبرت الاخرين على مراجعة حساباتهم بشأن مستقبل الاسد، والنظام ايضا... اما الولايات المتحدة التي تراجعت، على ما يبدو، خطوة الى الوراء، لا تمانع من بقاء الاسد، على الاقل لحين اتضاح الرؤية الكاملة فيما يتعلق بمستقبل الحرب ضد الارهاب، اما حلفائها (امريكا) الغاضبين من هامش المساحة الممنوح للاسد، فهم منقسمون بين المضي قدما مع (التحالف الدولي)، او القيام بخطوات منفردة، غالبا ما تكون غير مضمونة العواقب، وربما تعرض امنهم الداخلي لخطر الهجمات الارهابية... تماما مثلما حدث مع تركيا مؤخرا.
قد تبدو الصورة في العراق اكثر وضوحا منها في سوريا، فالفرقاء في سوريا، ربما اكثر انسجاما في العراق، لكن في حقيقية الامر، التعقيد في مشهد مكافحة الارهاب، ما زال حاضرا في كلا الموقفين العراقي والسوري، ومردهما الى غياب فاصل الرغبة في العمل الجماعي لمكافحة الارهاب، وربما الغفلة المقصودة عن ذلك.
هناك من يقول... ان الازمة العسكرية بين الدول الكبرى والاقليمية في مساعي مكافحة الارهاب في الشرق الاوسط، قد وصلت ذروتها، وهذا يعني ان الحل السياسي والتنسيق الدبلوماسي بات قريبا، وفي متناول اليد.
طبعا هناك الكثير من الشواهد على هذا الكلام، القنوات الدبلوماسية التي فتحت بين الروس والامريكان، وامكانية دمج جهودهما تحت مسمى (التحالف الدولي)، اصبحت اكثر واقعية، اضافة الى تصريحات صدرت من دول اوربية، وصفت على انها اقل حدة من سابقاتها تجاه وضع (الاسد) الحالي، وامكانية التعاون البناء في مكافحة الارهاب بصورة جماعية.
اغلب الظن ان الحديث عن الواقع هو ما سيتم التركيز عليه في اطار جهود مكافحة الارهاب، اما التصريحات النارية ومستقبل (الاسد) و(المعارضة) و(النظام)، فكلها اشياء اصبحت من الماضي، وهي اليوم قد وضعت في ادراج المكاتب.
الواقعية تفرض على الولايات المتحدة الامريكية التنسيق مع الروس على اعلى المستويات الامنية والعسكرية والاستخبارية، والواقعية تفرض انهاء السجال حول مستقبل النظام وكيفية تشكيلة، قبل الانتهاء من مصدر الشر المطلق، تنظيم (داعش) وامثاله في سوريا والعراق، والواقعية تفرض، ايضا، ان يتم التنسيق بين الجميع، ايران، تركيا، السعودية، اوربا، العراق، سوريا، اضافة الى دول (التحالف الدولي)... اما الدوران حول ذات النقطة التي انطلقت منها مؤتمرات (جنيف 1) و(جنيف 2)، فهذا يعني بقاء دوامة الارهاب لعقد قادم من الزمن.
ربما حرك الروس بخطواتهم العسكرية الاخيرة، جو الشرق الاوسط، بين المؤيد والمعارض، لكن كان لابد من تحريك المياه الراكدة، والتي لم يستفد من جمودها سوى تنظيم داعش والقاعدة وامثالها في المنطقة، سيما وان الخلافات بين الحلفاء لم تحل حتى الساعة، وانما ولدت لنا المزيد من مشاكل الهجرة نحو الغرب والتمدد للجماعات المسلحة في سوريا والعراق، اضافة الى تنامي التهديد الارهابي للامن والسلم الدولي، وهي حقيق يشعر بها المجتمع الدولي من امكانية قيام التنظيمات المتطرفة من شن هجمات محتملة في اي بقة من العالم، نتيجة وجود ملاذ امن لها في منطقة الشرق الاوسط.
اضف تعليق