المذهل في الموضوع، بحسب توصيف الإعلام الأميركي، سرعة الاتفاق في الدقائق الأخيرة قبيل انتهاء المدة الزمنية؛ لحاجة الطرفين إلى إنقاذهما من مأزقهما المتصاعد بين القواعد الانتخابية، واختلال دخل ما يقرب من 4 ملايين موظف حكومي لو استمرّ عناد الطرفين، فضلاً عن تعطيل عمل مصلحة الضرائب الفدرالية لرفد الخزينة...
بقلم: د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
إعلان "مذهل" توصّل إليه طرفا الصراع في الكونغرس بالموافقة على مشروع تمويل قصير الأجل لعمل الحكومة، لمدة 45 يوما، ما يتيح فرصاً أوسع للبحث عن حلول لجملة من القضايا الخلافية، أبرزها بند تمويل أوكرانيا، وقيمته 40 مليار دولار، كما طالب به الرئيس جو بايدن والذي تم ترحيله إلى مرحلة زمنية أبعد.
المذهل في الموضوع، بحسب توصيف الإعلام الأميركي، سرعة الاتفاق في الدقائق الأخيرة قبيل انتهاء المدة الزمنية؛ لحاجة الطرفين إلى إنقاذهما من مأزقهما المتصاعد بين القواعد الانتخابية، واختلال دخل ما يقرب من 4 ملايين موظف حكومي لو استمرّ عناد الطرفين، فضلاً عن تعطيل عمل مصلحة الضرائب الفدرالية لرفد الخزينة المركزية.
ليست هي المرة الأخيرة التي تواجه فيه إقرار الميزانية العامة معارضة نفر ضئيل لبعض تفاصيلها، بل يمكن القول إن المسألة أضحت طقساً سنوياً عند انتهاء السنة المالية الرسمية في 30 أيلول/ سبتمبر من كل عام. فمنذ بدء جدل التهديد بإغلاق الحكومة في اللحظات الأخيرة الحاسمة عام 1990، تم التوصل إلى حل مرحلي باعتماد الكونغرس "قراراً مكملاً" للميزانية يجسر الهوة الزمنية الفاصلة بين السنة المنقضية والجديدة.
وشكّل عام 2019 المرة الأخيرة التي أغلقت فيها مرافق الدولة، باستثناء الدوائر والخدمات الضرورية، نتيجة خلافات داخلية بشأن بعض البنود المدرجة لتمويلها، واستمرت 34 يوماً، إذ أضحت أطول مدة في تاريخ الكيان السياسي الأميركي تغيب فيها الخدمات الحكومية بكاملها عن التداول، ليصل تعدادها نحو 10 حالات إغلاق منذ عام 1976، طالت رؤساء جمهوريين مثل رونالد ريغان وديموقراطيين مثل بيل كلينتون الذي شهد عهده إغلاقاً استمر 21 يوماً.
بداية، استطاع فريق الحزب الجمهوري الضغط على خصمه الديموقراطي وموافقته على اقتطاع نحو 2 تريليون دولار من البنود المخصصة "للرعاية الصحية والأمن الاجتماعي" وبعض البرامج الأخرى، في الجولة الأولى من المفاوضات الشائكة.
هذا بالرغم من تبجّح قادة الحزب الديموقراطي بعدم المغامرة ببرامج الرعاية الصحية والاجتماعية، التي تشكل مجتمعة جوهر أجندة الحزب ومبرر وجوده إلى حد بعيد.
في المحصلة العامة، حظي رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي على أكبر حجم من الأضرار السياسية، نتيجة "تهاونه" مع مطالب الخصم الديموقراطي، كما أشيع، وتعرضه أيضاً لانتقادات إضافية من "كتلة اليمين المحافظ" في الحزب وتمرّد نحو 20 عضواً عليه، ومغامرته في حتمية مواجهة مطلبها بالاستقالة، وهو احد الشروط التي وافق عليها العام الماضي عقب 15 محاولة لإعلان فوزه بالمنصب.
وأفردت إحدى كبريات الصحف مساحة واسعة لتغطية مصير رئيس مجلس النواب "لانقلابه الاستراتيجي المعاكس" في اللحظة الأخيرة بتبنّيه مبادرة استطاع فيها الحصول على دعم "معظم الأعضاء" من الحزبين لتفادي شبح الإغلاق بالموافقة على تمديد التمويل لمدة 45 يوماً (صحيفة "واشنطن بوست"، 30 أيلول / سبتمبر 2023).
وأردفت الصحيفة أن "كتلة القبان" المشكّلة من "أقصى اليمين الجمهوري كانت منكبة على التخطيط لأيام عدة بغرض إطاحة رئيس مجلس النواب من منصبه، فضلاً عن غيظهم الشديد من توسله الدعم من أصوات الديموقراطيين" لتفادي الإغلاق.
يشار إلى أن منصب رئيس مجلس النواب كان يتطلب مبادرة من 5 أعضاء في السابق لإزاحته أو عزله، لكنه وافق على تخفيض العدد إلى عضو أوحد، خلال مشارواته الماراثونية مع أعضاء الكتلة المتراصة مطلع العام الحالي قبل موافقتهم على انتخابه رئيساً.
بند دعم أوكرانيا تصدّر الجدل السياسي/المالي في الدورة الحالية للكونغرس، نتيجة جملة عوامل داخلية، اهمها رفض كتلة النواب الجمهوريين المتشددين لإدراجه، ونجحوا في وقف المفاوضات بين قادة الحزبين، وكذلك لانقشاع غيمة التغطية الإعلامية المضلِّلة لمجريات الحرب في أوكرانيا والتي ترجمت بعزوف قطاعات من الأميركيين عن تحمل تبعات الحرب.
صرّح الرئيس جو بايدن بعد إعلان الاتفاق بأنه "لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف أن نسمح بقطع الدعم الأميركي لأوكرانيا؛ تبعه بيان مشترك لكبار قادة الحزبين في مجلس الشيوخ يؤكدون فيه عزمهم "ضمان استمرار الحكومة الأميركية تقديم الدعم لأوكرانيا". من أبرز الموقّعين كان زعيم الأقلية الجمهورية في المجلس ميتش ماكونول.
ونتيجة للفوارق البسيطة لسيطرة الأغلبية من الحزبين على مجلسي الكونغرس، الجمهوريون بنسبة ضئيلة والديموقراطيون بفارق صوت واحد، فإن أي إجراء بشأن أوكرانيا، أو أي مسألة خلافية أخرى، يحتاج إلى توافقهما عليها.
وعليه، من المرجح أن نشهد تكراراً لطقوس الجذب والتهديد بالإغلاق مجدداً، خلال الأسابيع القليلة المقبلة، والتي لا تبشّر بجاهزية الطرفين تقديم تنازلات "قاسية" لبعضهما البعض، بل قد يشتدّ الخلاف بين أعضاء الحزب الجمهوري بوتيرة أعلى نتيجة الشعور بالخيبة من تصرفات رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي.
اضف تعليق