الوضع في العراق ملتبس. فلا اشكال في شرعية النظام السياسي المنبثق من الدستور. ولا اشكال في وجود ممارسات ومظاهر توصف بانها ديمقراطية مثل الانتخابات الدورية وحرية ممارسة العمل السياسي وتشكيل الاحزاب وحرية الاعلام. ولهذا كانت الاوساط الاكاديمية العالمية تصف النظام السياسي في البداية بانه ديمقراطي...
اشرت في مقال سابق الى وجود فرق بين شرعية النظام السياسي، وشرعية السلطات الحاكمة التنفيذية والتشريعية، النظام السياسي هو الدستور، ما فيه وما يتفرع منه. او قل ان النظام السياسي ينبثق من الدستور و يستمد شرعيته من الدستور. والدستور يستمد شرعيته من الاستفتاء العام. فاذا صوتت اغلبية الناخبين على الدستور اصبح الدستور شرعيا ومشروعا. في عام ٢٠٠٥ صوت اغلبية الناخبين العراقيين لصالح الدستور، بما فيها المادة (١٤٤) التي تقول:"يعد هذا الدستور نافذاً بعد موافقة الشعب عليه بالاستفتاء العام ونشره في الجريدة الرسمية". قضي الامر فيما يتعلق بهذه النقطة. ولا نقاش في شرعية النظام السياسي/ الدستور الا عبر استفتاء عام. والدستور يقول: ان دولة العراق "نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي". نعم هناك ملاحظات على الدستور، وهناك ثغرات في الدستور، لكن هذه يمكن معالجتها لاحقا دون المساس بشرعية الدستور والنظام السياسي المنبثق منه.
لكن هناك قسم من الناس، كانوا اقلية يوم الاستفتاء على الدستور، غير قابلين بالدستور. امام هؤلاء عدة خيارات: اما الخضوع للاغلبية بمقتضى النظام الديمقراطي، او الغاء الدستور عبر استفتاء جديد، او الثورة الشعبية التي تلغي، في حال انتصارها، الشرعية الدستورية وتستبدلها بالشرعية الثورية، او الانقلاب العسكري، او اللجوء الى قوة خارجية. وفي هذه الحالة يسقط النظام والحكومة معا.
شرعية الحكومة امر اخر. انها شرعية تستند الى الانتخابات الدورية، وذات ولاية محددة باربع سنوات. انها عبارة عن التخويل المعطى من الناخبين او من البرلمان الى شخص بعينه او حزب بعينه او مجموعة افراد بعينهم (الوزراء) للحكم وادارة شؤون البلاد لفترة محددة.
يستطيع الشعب ان يسقط الحكومة بالانتخابات القادمة، او بسحب الثقة منها في البرلمان، او حتى بالضغط عليها عن طريق التظاهرات والاعتصامات الخ لاجبارها على الاستقالة، كما حصل لحكومة عادل عبد المهدي، التي سقطت بسبب تظاهرات تشرين. لكن سقوط الحكومة لم يؤدي الى اسقاط النظام نفسه. ولكل من هذه الخيارات كلفته وحسناته وسيئاته.
الوضع في العراق ملتبس. فلا اشكال في شرعية النظام السياسي المنبثق من الدستور. ولا اشكال في وجود ممارسات ومظاهر توصف بانها ديمقراطية مثل الانتخابات الدورية وحرية ممارسة العمل السياسي وتشكيل الاحزاب وحرية الاعلام. ولهذا كانت الاوساط الاكاديمية العالمية تصف النظام السياسي في البداية بانه ديمقراطي. لكن تصرفات الحاكمين منذ عام ٢٠٠٣ الى اليوم (المحاصصة والفساد وتدني مستوى الاداء) ادت الى الغاء الصفة الديمقراطية تدريجيا حتى صارت نفس الاوساط الاكاديمية العالمية تصف الحالة في العراق بانها اوتوقراطية انتخابية. ومعناها انحصار السلطة بعدد دائم وقليل من الاشخاص بغطاء انتخابي، وبعضهم غير منتخبين اصلا. وازاء هذه الحالة قد ينقسم الناس الى ثلاثة اقسام: الناس غير المبالين وغير المكترثين، الناس الذين يتقبلون هذا الوضع بسلبياته وايجابياته، الناس الذين يريدون تغيير الوضع الراهن واقامة حكومة ديمقراطية حقيقية وكفوءة وقادرة فعلا على تحسين نوعية الحياة ومحاربة الفساد وتعزيز الديمقراطية. حتى الان لا يعتبر اي قسم من هؤلاء لاعبا اساسيا في المسرح السياسي، لان اللاعب الوحيد هو الاوتوقراطيون المتلحفون بالانتخابات الماسكون بزمام السلطة والمال (والسلاح احيانا).
اضف تعليق