مرت الايام ثقيلة وانا انتظر ان ترجع الكهرباء لبيتي، والى اليوم الظلام يطبق على الزقاق، مع كل الجهود التي حاول الاهالي تحقيقها، الا قضية المال فان أغلبهم فقراء ومحدودي الدخل، فمن أين يأتون بمبلغ الابتزاز البالغ مليون وخمسمائة ألف دينار، بالمقابل موظفي وزارة الكهرباء مصرون على موقفهم...
في يوم السادس من شهر آب الحالي تعطلت محولة الكهرباء في زقاقنا، ومعها توقف الزمن، حيث وقعنا بين أمرين.. الأول هو: مطلب موظفي الكهرباء الابتزازي وهو مبلغ مليون وخمسمائة الف دينار لجلب محولة جديدة بدل المحولة العاطلة، مع أن من صميم عملهم إبدال التالف بمحولة جديدة، والأمر الثاني رفض الأهالي جمع المبلغ، وهكذا مرت الايام ببقاء الحال على ما هو عليه، انقطاع الكهرباء لساعات طويلة جدا مع صيف لا يرحم، فاضطررت ان اكون مهجرا بسبب موظفي الكهرباء الذين ماتت ضمائرهم، اصبحت الايام بلا معنى.
حاولت تقديم شكوى لكن الفساد لا ينفع معه اي شكوى، كتبت ونشرت واتصلت، ولكن كل الجهود تبددت أمام غول الفساد العجيب، وهو متضخم جدا في وزارة الكهرباء، فلا تبديل للمحولة الكهربائية إلا بدفع مبلغ الابتزاز وهذا اخر الكلام، وكانت مقدمة مقالي عن محنتي، عسى ان تصل كلماتي لرجل نزيه وقوي في الدولة، فيوقف مهزلة موظفي وزارة الكهرباء المبتزين الفاسدين.
الآن اعيش مع ابي في بيته العتيق، ومعه جبل من ذكريات الطفولة والمراهقة، وكوابيس زمن صدام والحصار.
صدام وبائع الثلج
كان يقال ان الصمت هو زاد الحكماء وهو امر رائع لكل انسان يبحث عن الرقي التطور المعرفي، لكنه صمت ترقد على حافاته لسعات شهر آب وبعض الحزن مما نكابده في حياتنا العجيبة، ولكن كيف التزم الصمت أمام فوضى الأفكار، وهو ما حصل ليلة أمس حيث جاء احد الاقارب لزيارة ابي، وهو عجوز يحمل فكرا معكوسا وغريبا مهجنا! عن السياسة وعن الحياة.
فحاولت السكوت امام سيل الترهات التي تنساب من فمه، لكن لم استطع الاستمرار بالسكوت، ألجمته بحجر كبير الدلالة، فبعد ان قال: "كنا بخير في زمن صدام، كان كل شيء متوفر"..! فذكرته بأمر بسيط، وقلت له: "هل نسيت معروف ابن أخيك على الزقاق، حيث كان يبيع الثلج، ولولاه لما شربنا الماء البارد، وهل تذكر لماذا يبيع ابن أخيك الثلج.. اذكرك.. لان الكهرباء غير موجودة في زمن صدام، لذلك يلجأ الناس لشراء الثلج"... فضحك وسكت ورحل.
لكن شعرت انني كان يجب ان ادعه يفرغ عن ما في نفسه فهو عجوز، وكان امرا سيئا ان اناقش واجادل واحاول الانتصار.
الشرك السياسي
شاهدت نقاشات سياسية بائسة في التلفاز، احد الضيوف يعبد كبير حزبه، بل يجعله في رتبة الملائكة! واحيانا يصل به الى رتبة الاله! فهو شرك من نوع جديد، يمكن أن نطلق عليه بالشرك السياسي والعياذ بالله، حيث يرى المصاب به أن كل ما يصدر عن صاحبه هو الحق المطلق، مع ان الحقيقة المطلقة فقط عند الله عز وجل.
والجنون ان لا يعترف بأخطاء زعيم حزبه، بل يرفض ان يعترف بأخطاء كل رجالات حزبه، بل يرى كل ما يصدر عنهم هو من صميم الحق، وكما قيل قديما: (كل ما يصدر عن خسرو فهو جميل).
نعم هو جنون وعندها يكون الصمت افضل، حيث لا نفع لأي دلالة او اشارة او محاول لفرض العقل والمنطق، أغلقت التلفاز كي تستريح أذناي من جنون الشرك السياسي.
اخيرا:
مرت الايام ثقيلة وانا انتظر ان ترجع الكهرباء لبيتي، والى اليوم الظلام يطبق على الزقاق، مع كل الجهود التي حاول الاهالي تحقيقها، الا قضية المال فان أغلبهم فقراء ومحدودي الدخل، فمن أين يأتون بمبلغ الابتزاز البالغ مليون وخمسمائة ألف دينار، بالمقابل موظفي وزارة الكهرباء مصرون على موقفهم المخزي! المال مقابل الكهرباء.
بالأمس كان يتحكم بحياتنا الأحمق صدام ابن العوجة، واليوم يتحكم بنا زمرة من الفاسدين والجهلة، الذين يجدون الحصانة من الخارجين على القانون، ربما لو عشنا في جزر المالديف او غواتيمالا او جزيرة قبرص لكانت الايام اكثر هدوءا، والحياة اكثر عدلا.
اضف تعليق