عند اندلاع كل حرب، تنشغل الناس عادة، بأخبار الميدان ومن انتصر ومن خسر، وما يرافق ذلك من نشاط سياسي لطرفي النزاع والدول المهتمة به، وكذلك المنظمات الدولية المعنية، وغالبا ما يتم تجاهل أو حجب صور الضحايا من الجانبين، مراعاة لمشاعر المشاهدين! الحرب الروسية الاوكرانية نموذج جديد من نماذج الحروب...
عند اندلاع كل حرب، تنشغل الناس عادة، بأخبار الميدان ومن انتصر ومن خسر، وما يرافق ذلك من نشاط سياسي لطرفي النزاع والدول المهتمة به، وكذلك المنظمات الدولية المعنية، وغالبا ما يتم تجاهل أو حجب صور الضحايا من الجانبين، مراعاة لمشاعر المشاهدين! الحرب الروسية الاوكرانية نموذج جديد من نماذج الحروب، التي تندلع في ميدان عسكري محدد، لكن ميادينها السياسية متعددة، اي انها حرب ارادات دولية أو اقليمية جعلت من الشعب الاوكراني وارضه ميدانها العسكري، وكان هو الضحية التي لا يهم الأطراف الخارجية ما يتعرض له من دمار لحاضره ومستقبله، وانما يتحدثون فقط عن ما يحققه لهم جيش أوكرانيا من مكاسب عسكرية ضد خصمهم الستراتيجي، قد لا يحصل الشعب الاوكراني ولا الروسي ايضا على فائدة منها توازي حجم الخسائر والفجائع الكبيرة التي تحصل لهما يوميا.
لاشك ان السياسة بلا قلب، لكن حساسية هذا العصر، حيث يتعالى الكلام عن حقوق الانسان وقيم الحياة الجديدة بعد التجارب القاسية التي مرت بها البشرية، تدفعنا للتساؤل عن جدوى استمرار حرب مدمرة كهذه وكل هذه المدة، من دون أن تلوح في الافق بادرة امل بإنهاء هذا الصراع الذي وصل حد التلويح باستخدام الاسلحة النووية!؟
حرب أوكرانيا تعد من الحروب القذرة، ونعني بها الحرب التي يكون فيها شعب معين ضحية صراع قوى خارجية، كما حصل في افغانستان وقبلها في لبنان، حيث تصارعت إرادات دولية واتخذت من شباب هذين البلدين مادة بشرية لحرب ظلت تلك القوى تمدها بالسلاح والمال من اجل ديمومتها لحين حسمها لأي من المتصارعين الخارجيين، بينما الشعب الذي تقع على ارضه تلك الحرب لم يحصل على شيء في الغالب يوازي ما حل به من خراب، ويخرج منها بعوق دائمي قد يستمر لعقود ولا يشفى منه، أو تتسبب له بوضع سياسي مريض يجعل الدولة ضعيفة وغير قادرة على النهوض مرة اخرى (لبنان وافغانستان مثالا) وهناك دول أخرى اليوم على هذه الطريق المدمرة للأسف.. الشعب الأوكراني يدفع بشبابه لمواجهة الروس الذي يمتلكون أسلحة فتاكة، تدمر كل شيء يوميا، والغرب يرسل بالتعزيزات العسكرية والمالية لأوكرانيا لكي يتصدى للروس بمفرده.. الغرب يريد من الاوكرانيين ان يحققوا له نصرا على روسيا الغريم التقليدي، منذ قيصريتها مرورا بشيوعيتها وصولا إلى رأسماليتها!
أي أن على الاوكرانيين وحدهم تحمل كلفة الحرب البشرية مقابل الحصول على أسلحة تديم استمرارها، وهذه الأسلحة التي قدمها الغرب تعني إطالة أمد الحرب وقتل المزيد من الشباب الأوكراني.. نرى أن من العدالة إذا أراد الغرب حسم معركته مع روسيا في أوكرانيا، ان يأتي بجيوشه ويواجه الروس بشكل مباشر وتحت اي غطاء يستطيعون صناعته تحت مسمى (حلف المستقبل) أو (عاصفة الثلوج!) أو غيرها من التسميات التي يبرعون بابتكارها، ويواجهون الروس في الميدان بدلا من ترك الاوكرانيين حطبا لحرب يبدو أنها لن تنتهي قريبا، وسيستمر نزيف الدم والخراب لهذا البلد الجميل.. نعم أن عنوان الخلاف بين روسيا واوكرانيا هو المناطق المختلف عليها، في أوكرانيا، لكن أن تستثمر هذه المسألة في تغذية صراع مع روسيا تترك أوكرانيا وحدها في مواجهته، أمر مؤلم حقا وهو ضحك على الذقون، لأن اميركا وبريطانيا ومعهما دول أوربا المتحمسة لنصرة أوكرانيا، مصرون على هزيمة روسيا، لكن بأجساد الاوكرانيين وحدهم، وهذا استغفال سياسي وعلى الاوكرانيين أو يكونون واضحين في الكلام مع الاميركان والاوربيين ويقولون لهم؛ ممكن أن تكون أرضنا ميدانا للحرب.
لكن يجب ان تكون عليها ايضا جيوش جميع الدول الداعمة طالما أن النصر في النتيجة يحسب للجبهة السياسية التي تقف مع أوكرانيا ويعرفها العالم كله.. وخلاف ذلك فإن تحقيق النصر على روسيا بآخر جندي أوكراني، منطق عفا عليه الزمن ويجب ألا تكون الشعوب بشبابها وثرواتها ومستقبلها.. ميدانا لمراهنات دولية تنتهي بهذه الأثمان المرعبة.
اضف تعليق