من النقاط التي يتفق عليها معظم المثقفين هي الأهمية القصوى التي تمثلها الفعاليات الثقافية المختلفة، سواء أقيمت في داخل العراق أو في خارجه، لأن هذا النوع من الفعاليات يضخ الكثير من المعارف ويرسخ الكثير من التقاليد الثقافية المعافاة في المشهد الثقافي والفكري، ويحرك الأجواء الثقافية الراكدة ويزجّ فيها بالجديد دائما...
من النقاط التي يتفق عليها معظم المثقفين هي الأهمية القصوى التي تمثلها الفعاليات الثقافية المختلفة، سواء أقيمت في داخل العراق أو في خارجه، لأن هذا النوع من الفعاليات يضخ الكثير من المعارف ويرسخ الكثير من التقاليد الثقافية المعافاة في المشهد الثقافي والفكري، ويحرك الأجواء الثقافية الراكدة ويزجّ فيها بالجديد دائما، ويمنحها حيوية عالية تتميز بها الثقافات الراسخة.
إذًا نحن نتفق على أن هناك فعاليات ثقافية تجري في الداخل وأخرى تجري في الخارج، وهذا ما درجت عليه جميع النشاطات الثقافية منذ سنوات بعيدة، حيث تمتلئ الذاكرة الثقافية والفكرية والأدبية بمئات الفعاليات الثقافية داخل وخارج العراق، ومن ضمنها المؤتمرات الشعرية والسردية والفكرية (مهرجان المربد والجواهري مثلا)، أو مهرجانات ومؤتمرات السرد القصصي والروائي في العراق وخارجه، وكذلك معارض الكتب بمختلف أسمائها وأماكن إقامتها، كمعرض بغداد الدولي للكتاب، أو معارض بيروت والقاهرة وتونس وغيرها.
ما نريد أن نذكره في هذه الكلمة، معايير المشاركة في هذه الفعاليات، وكيف تستند الجهات الثقافية صاحبة القرار بدعوة هذا المثقف، الأديب، المفكر، أو ذاك لهذه الفعالية أو تلك، فهل هناك معايير واضحة تضمن العدالة في قضية المشاركة بهذه الفعاليات، أم أن هناك أمورا أخرى هي التي تحدد الأفضلية في المشاركة؟، لاسيما أن النشاطات الثقافية والمشاركة فيها تنعكس إيجابا على المشارك الأديب أو المبدع بشكل عام.
التأسيس لتقاليد ثقافية عادلة
هذا التساؤل واضح ولا يحتاج إلى تفصيل ومع ذلك نقول، كيف يدرأ صانع القرار الثقافي الشبهات عن نفسه في مثل هذه الدعوات والمشاركات، وكيف يتخلص من الإرث السيّئ الذي تمتلئ به الذاكرة الثقافية عن السلوكيات غير الصحيحة التي كان يقوم بها صانع القرار الثقافي في السابق، أم أننا نصر على تكرار التجارب السيئة السابقة في هذا المجال؟
لا أريد هنا أن أخوض في التفاصيل ولا بالعمق، ولكن أليس من الأفضل لصانعي القرار الثقافي في العراق اليوم أن يؤسسوا لتقاليد ثقافية عادلة وجديدة تنأى بنفسها عن اللوم والانتقاد وإلصاق التهم بها، أنا باعتقادي أن الفرص سانحة اليوم لصانعي القرار الثقافي كي يؤسسوا لقيم وتقاليد تنهض بالمثقف والثقافة العراقية، وأن يقدموا النموذج الصحيح والفعل الصحيح لكي نضع خلف ظهورنا الإرث السيّء في هذا المجال.
الصداقة بين المثقفين والمفكرين والأكاديميين وغيرهم، لا يجب أن تكون هي المعيار باختيار المشاركات في مثل هذه الفعاليات سواء في الداخل أو في الخارج، ولا المصالح المتبادلة بين المدعو وبين صاحب القرار، لأن الأمور مكشوفة للجميع، ومن الخطأ أن يسمح صانع القرار الثقافي اليوم أن تُلصَق به تهمة (غياب العدالة والمهنية) في الدعوات والمشاركات.
مؤهلات الإبداع والمبدعين
حيث يتم إلحاق الغبن ببعض المثقفين والمفكرين حين يتم إقصاءهم وتفضيل غيرهم ممن لا يستحقون، فتأتي دعوتهم غير صحيحة لأنها غير مستحَقّة بل هنالك مجاملات واضحة خصوصا في ظل العلاقات التي تسمح بها مواقع التواصل الاجتماعي بين الجميع.
ثم هناك شخصيات تشارك في مثل هذه الفعاليات ليس لها علاقة من قريب أو بعيد لا بالفكر ولا بالثقافة ولا بالأدب، ولو طُلب من أحدهم كتابة جملة مفيدة أو سطرا مفهوما لعجز عن ذلك، لكنه تراه يتصدر الحضور والجلسات ويقدم نفسه على أنه جزء لا يتجزأ من الثقافة والفكر والأدب، في حين هو يستعرض حضوره الفارغ لا أكثر، ولا أدري كيف يمتلك هؤلاء الجرأة على طرح أنفسهم على أنهم مبدعون لا يُشقّ لهم غبار!.
من الأفضل أن يعرف صانعو القرار الثقافي أن المرحلة الحالية مناسبة جدا لتأسيس تقاليد عادلة في هذا المجال، وأن يعرفوا بأن معايير الصداقة والمصالح المتبادَلة على حساب العدالة لا تجدي نفعا، ولا تحقق رسوخا مطلوبا وصحيحا ومهمّا للقيم الثقافية والتقاليد الفكرية والأدبية الصحيحة في ثقافتنا.
ولابد في الأخير أن أشير إلى أنني كتبت هذه الملاحظات ليس بدافع شخصي لأنني من المشاركين الفاعلين في المشهد الثقافي داخل وخارج العراق، ولكن كتبت ما كتبت لأقول كلمتي التي يجب أن تُقال في زمن البناء الثقافي الرصين الذي يفترض أن يكون رصينا وخاليا من الشوائب فعلا وليس قولا، لاسيما أن هناك قادة ثقافيين يمتلكون السمات الثقافية القيادية الصادقة والمخلصة للثقافة والفكر والأدب.
اضف تعليق