ازهد يا بني بالمناصب وقت اشتداد الصراعات، ويوم تستيقظ الفتنة من السبات، ففي هذه الأوقات يكثر الطامحون بغير علم لاعتلائها، ويشتروها مهما بلغت أثمانها، ويتقاتلون من أجلها بلا شرف، ولا تظن لديهم أخلاق الفرسان، لأنهم لا ينظرون للمنصب من باب تخفيف أعباء العباد والارتقاء بالبلاد، بل يبصرونها سلطة وجاه ومال...

ها .. وقد شارف العمر على الانتهاء، والأعمار بيد الله تعالى، أوصيك يا بني بما جادت به التجربة، وسنوات قضيناها بين اللوعات والحسرات، أوصيك بالذي أستطيع قوله، وأعلم ان ليس كل الوصايا تُقال في بلادنا، فمنها ما يجب أن يحتفظ بها المرء لنفسه، ومن الخطأ أن تُشاع، ويسمعها الناس عن لسانك، انت تعرف موزمبيق جيدا، وما يدور فيها، ان قلتها سينبري لك من لم يخطر بحسبانك ليبيعك من المثاليات ما تجزع لها نفسك، ويجعلك تغلي كقدر على نار، وليس بمستطاعك رده، فهو كذاب منافق، فالزم الصمت عند حديثه، ففي الغضب يا بني يفلت اللسان، وأحيانا اليدان ، ويصدر عنك ما لا تتمناه، ويقع ما لا يُحمد عقباه، وفي كل الأحوال صرت مثلهم في الفوز والخسران، ولن تسلم من كلام الناس بضمنهم من تحب وتهوى.

صاحب يا بني من هم بمستواك وأدنى، فهؤلاء هم الذين يقفون الى جانبك ان داهمتك الخطوب، وحلت بك الرزايا، وتأكد انهم لن يبخلون عليك بالعطاء، ويفضلونك على الأبناء، فلصرختك يفزعون، ولعرضك يحمون، يتقدمونك كالسواتر في الملمات، فصحبتهم لوجه الله، وما أقدس هذه الصحبة. واحذر يا بني من صحبة المدراء، فكثيرهم يغلبون الشخصي من المصالح على العام، ولا يغرنك لسانهم، بل انظر الى أفعالهم، ينطبق عليهم مثلنا القائل (حلو اللسان قليل الاحسان)، ومن يجعل الوطن خلف ظهره، لا تظنه يعيرك بالا، او يحقق لك حاجة، الا اذا كان ما يبغي منك يفوق ما تريده منه، فصحبتهم على قدر منافعهم، ينظرون الى الدنيا بعين المال والشهوات، واصبر عليهم و لا تجزع فنهايتهم الركون في زاوية منسية، وليس سوى الذباب يتطاير على عيونهم.

كن قنوعا برزقك، ولا تحلم أن تصبح وزيرا، فهذا ضرب من الخيال، فالوزارة في موزمبيق حكر على الأحزاب، ويُفضل أصحاب الولاء على الأكفاء، يعرفون جيدا ان الكفوء لا يؤمن بغير جودة العمل، والجودة تفترض النزاهة والاخلاص، ولا مكان للفساد بينهما، اما أصحاب الولاء، فمرضاة من وضعهم في المنصب هي الغاية، والغاية تبرر الوسيلة كما يقول مكيافيلي صاحب كتاب الأمير.

ولا تعني الوزارة للأحزاب غير المال، والا بماذا تفسر تقاتلها على الثري من الوزارات، ولا تظن ان للمحاصصة نهاية ما لم نحكم ضبط المال. ولو قدر لك ان تكون مديرا، وهذا من بين الاحتمالات، فضع (الله والوطن) نصب عينيك، اذا رغبت بتصدر الأمكنة بين الناس بعد مغادرتك المنصب، وضع في بالك ولا تنسى : مثلما جئت للكرسي سوف تغادره، وان غادرته فاسدا، لن يقول لك أحد بعد ذاك (مساك الله بالخير)، ستظل معزولا، وشخصك حديث على كل لسان.

ازهد يا بني بالمناصب وقت اشتداد الصراعات، ويوم تستيقظ الفتنة من السبات، ففي هذه الأوقات يكثر الطامحون بغير علم لاعتلائها، ويشتروها مهما بلغت أثمانها، ويتقاتلون من أجلها بلا شرف، ولا تظن لديهم أخلاق الفرسان، لأنهم لا ينظرون للمنصب من باب تخفيف أعباء العباد والارتقاء بالبلاد، بل يبصرونها سلطة وجاه ومال، والسلطة لدينا تعني التسلط على الناس، والجاه بمعنى النفوذ وليس تحكيم الوجدان، ومثل هؤلاء لن تقدر على العمل معهم، اما ان تكون مثلهم فاسدا، او تسحقك سنابك خيولهم، ان لم تجد نفسك خلف القضبان. لا تثق يا بني بما يقوله بعض الناس حول أصحاب السلطان، فمنهم من يذمهم بأقذع الألفاظ، وما أن يزوره حتى يستقبله بالأحضان، ويجلسه في أشرف مكان . ولن اكرر عليك ما قالته العرب : مقتل المرء بين فكيه وفخذيه.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق