إِصرارُ أَحزاب السُّلطة على تبنِّي فلسفة النَّتائج المُتوازِنة والَّتي تعني مُشاركة الجميع في تشكيلِ السُّلطةِ التنفيذيَّةِ بغضِّ النَّظرِ عن نتائجِ صُندُوق الإِقتراع، الأَمرُ الذي يعني أَن لا قيمةَ للصَّوتِ الإِنتخابي في رسمِ المُخرجاتِ المُعتمدَةِ على العكسِ من كُلِّ ما يجري في كُلِّ دُولِ العالَم الدِّيمقراطي التي يحدِّد فيها...
١/ إِنَّ هبوط مُنحنى نسبة المُشاركة في الإِنتخابات خلال عقدَينِ فقط من [٧٧٪] إِلى أَقلِّ من [٢٠٪] دليلٌ واضحٌ وخطيرٌ في أن على إِستمرارِ خسارةِ النِّظام السِّياسي [الدِّيمقراطي] لشعبيَّتهِ ولثقةِ النَّاخبِ بنتائجِ ومُخرجاتِ صُندُوق الإِقتراعِ وبالتَّالي فإِنَّهُ فقدَ الكثير من شرعيَّتهِ على اعتبارِ أَنَّ الشَّعبَ هوَ مصدَر السُّلُطات كما وردَ في الدُّستور [المادَّة(٥)].
٢/ لا أُريدُ هُنا الخَوض في الأَسباب والمُسبِّبات، فلقد تحدَّثنا عنها بشَكلٍ مُسهبٍ في مُناسباتٍ سابقةٍ، إِلَّا أَنَّني أُريدُ أَن أَتحدَّثَ هُنا عن تأثيرِ نتائج الإِنتخابات النيابيَّة الأَخيرة وما أَفرزتها من تعقيداتٍ وتجاوُزاتٍ على الدُّستور والقانُون على نسبةِ المُشاركةِ المُتوقَّعة في إِنتخابات مجالس المُحافظات المُزمع إِجراؤُها نِهاية العام الحالي.
فبرأيي فإِنَّ عدَّة ظواهر أَفرزتها تلكَ الإِنتخابات ستُساهم في دفعِ النَّاخبِ للعُزوفِ عن المُشاركةِ في الإِنتخاباتِ القادمةِ، أَهمَّها؛
أ/ التَّشكيك الشَّعبي العام بجدوائيَّة مجالس المُحافظات، فكلُّنا نتذكَّر أَنَّ واحدة من مطالِب المُحتجِّين عام ٢٠١٩ كانت إِلغاء هذه المجالس التي يعتبرها المُواطن بابٌ من أَبواب هدرِ المالِ العام والفسادِ والفشلِ.
وبالفِعل فلقد بادرَ مجلس النوَّاب لحلِّها وإِن كانَ ذلكَ رُبما يتعارض مع الدُّستور على اعتبارِ أَنَّ مجالس المُحافظات وردَ فيها نصٌّ دُستوريٌّ.
ب/ عَودة أَحزاب السُّلطة لتبنِّي قانون إِنتخابي ظالم وغَير عادِل وغَير مُنصف، كما وصفهُ المرجع الأَعلى في [٨] خِطابات وبيانات سابِقة، فضلاً عن أَنَّ الشَّارع العراقي دفعَ دِماءً ودمُوعاً لتغييرهِ من أَجلِ حِمايةِ صوتهِ الإِنتخابي الذي تسرقهُ أَحزاب السُّلطة بالقانُونِ الإِنتخابي الظَّالم.
العَودةُ إِلى قانون [سانت ليغو] أَصاب الشَّارع بالإِحباطِ وتأَكَّد لهُ بأَنَّ [العِصابة الحاكِمة] غَير مُستعدَّة للتَّنازلِ عن مقدارِ [دانقٍ] من إِمتيازاتِها وسلطتِها ونفوذِها حتَّى إِذا ذهبت البِلاد برُمَّتِها إِلى الجحيمِ.
النَّاخب غَير مُستعد للمُشاركةِ في التَّصويتِ في إِنتخاباتٍ يعرف مُسبقاً أَنَّ صوتهُ الإِنتخابي مُعرَّض للسَّرقةِ وللنَّقلِ والإِنتقالِ بينَ الكُتلِ رغماً عن أَنفهِ ومِن دونِ علمهِ حتَّى! فهو قد يُصوِّت للمُرشَّح [أ] ليجدَ أَنَّ صوتهُ ذهبَ إِلى المُرشَّح [ب].
ج/ إِصرارُ أَحزاب السُّلطة على تبنِّي فلسفة [النَّتائج المُتوازِنة] والَّتي تعني مُشاركة الجميع في تشكيلِ السُّلطةِ التنفيذيَّةِ بغضِّ النَّظرِ عن نتائجِ صُندُوق الإِقتراع، الأَمرُ الذي يعني أَن لا قيمةَ للصَّوتِ الإِنتخابي في رسمِ المُخرجاتِ المُعتمدَةِ على العكسِ من كُلِّ ما يجري في كُلِّ دُولِ العالَم الدِّيمقراطي التي يحدِّد فيها صوتٌ إِنتخابيٌّ واحدٌ هويَّة وشَكل السُّلطة التنفيذيَّة، وكذلكَ هُويَّة وشَكلِ المُعارضةِ النيابيَّةِ.
لذلكَ ضاعَ في ديمقراطيَّتنا مبدأ [تداوُل السُّلطة] وهو جَوهر العمليَّة الإِنتخابيَّة في ديمُقراطيَّات العالَم، كما ضاعَ فيها مبدأ الأَغلبيَّة التي تُشكِّل الحكُومة والأَقليَّة التي تذهب للمُعارضة، وتالياً، وكنتيجةٍ طبيعيَّةٍ، ضاعت المسؤُوليَّة وضاعَ مبدأ الثَّواب والعِقاب.
د/ كما أَنَّ قرار الصَّدر بالإِنسحابِ من العمليَّة السياسيَّة وتحديداً من المُشاركةِ في الإِنتخاباتِ القادِمةِ أَسقط الكَثيرَ من مُبرِّراتِ صندُوق الإِقتراع، إِذ يظهر بهذهِ الحالةِ وكأَنَّ النَّاخب يسمعُ صدى أَصوات ولا يرى تنافُساً حقيقيّاً.
هـ/ حسبَ نسبةِ المُشاركة المُتدنِّيةِ في الإِنتخاباتِ النيابيَّةِ [المُبكِّرة] الأَخيرة فإِنَّ كُلَّ القُوى السياسيَّة المُمثَّلة حاليّاً تحتَ قُبَّة البرلمان لا تُمثِّل أَكثر من نسبةِ [٢٠٪] فقط من مجمُوعِ الشَّعبِ بما فيها التيَّار الصَّدري الذي انسحبَ فيها بعدُ، فإِذا بقي الصَّدرُ مُصرّاً على عدمِ المُشاركةِ في الإِنتخاباتِ المُرتقَبةِ فهذا يعني أَنَّ حوالي [٣٪] من تلك النِّسبة ستسقُط كذلكَ من حساباتِ نسبةِ المُشاركةِ وبالتَّالي تتدنَّى النِّسبة أَكثر فأَكثر، إِذ أَنَّ من الواضحِ فإِنَّ الذين اشتركُوا في الإِنتخاباتِ الأَخيرةِ هُم أَنصار وجُمهُور أَحزاب السُّلطة فقط بالإِضافةِ إِلى نسبةٍ بسيطةٍ من النَّاخبينَ الذين صوَّتُوا لصالحِ المُرشَّحين المُستقلِّين عندما تصوَّرُوا أَنَّهم سينفعُون في تحقيقِ عمليَّة الإِصلاح والتَّغيير المرجُوَّة.
هؤُلاء كذلكَ سوفَ يحجمُونَ عن المُشاركةِ في المرَّةِ القادِمةِ بعدَ أَن فشلت تجربة النوَّاب [المُستقلِّين] وتقديمهِم لأَداءٍ بائِس وخاصَّةً في ظلِّ قانُون [سانت ليغو] الظَّالم وغَير المُنصف والذي سيُقصيهِم، أَغلب الظَّنِّ إِن لَم يتكتَّلوا فيتَّحدُوا لينزِلُوا بقائمةٍ واحدةٍ، عن المشهدِ [مع سبقِ الإِصرار] كما يقولُونَ.
اضف تعليق