عودة العلاقات السعودية الايرانية، لا تختزل بالجانب الدبلوماسي، وإن كان هذا عنوانا لها، لكنه يبقى مفرّغا من هدفه، من دون أن يتم الإتفاق على ايجاد صيغ عملية وواقعية، تستحضر رؤية مشتركة ولو نسبيا.. ويبقى السؤال الكبير؛ هل يستحق ما اعلن عنه الضجة الاعلامية الكبيرة، ام ان هناك شيئا ما يتخلق في كواليس القرار الدولي...
عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وايران والتي اعلن عنها يوم 10 آذار الحالي، بعد مساع عراقية طويلة، وكذلك عمانية قبل أن تتوج في لقاء بكين، الذي جمع وفدين من البلدين، شغلت وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما في العراق، حيث قرأ الحدث من زوايا عدة، وكان المهيمن فيها هو البعد العاطفي، وتحكمت الميول الخاصة والجهوية والثقافية بأغلب الطروحات والتعليقات، وقلت إلى حد كبير القراءات الواقعية والموضوعية للحدث الذي نعتقد انه لن يأت بجديد، في الأقل، على مستوى البنود التي أعلن الجانبان العمل عليها للبدء بإجراءات اعادة العلاقات، كونها تقليدية ولم نجد فيها ما ينهي الخلاف العميق بين البلدين، اللّهم الّا اذا كانت هناك بنود سرية اتفقا بشأنها وبضمانات صينية، بعد ان باتت بكين لاعبا مهما في الشرق الاوسط فضلا عن العالم، وقد تجلى ذلك في القمة العربية الصينية في الرياض أواخر العام الماضي.
من خلال قراءتنا لطبيعة الخلاف السعودي الايراني، نجد أن مجرد عودة العلاقات الدبلوماسية ليست كافية لإنهائه، لأنها كانت قائمة اصلا فيما الخلافات قائمة معها ايضا! وأن سبب قطعها هو ما حصل للسفارة السعودية في طهران العام 2016، والذي كان افرازا لتقاطعات حادة بين الطرفين بشأن قضايا مهمة في المنطقة، تفاقمت في العقد الاخير بشكل كبير جدا، لا سيما بعد الاحداث في سوريا واليمن والبحرين، حيث دخل البلدان في مواجهة غير مباشرة بأكثر من ميدان، بالإضافة إلى رؤية البلدين المختلفة في التعامل مع ملف القضية الفلسطينية.
اذ ترى ايران انها تقود محورا للمقاومة يعتمد مبدأ المواجهة الشاملة مع اسرائيل، بينما ترى السعودية ان هذا المحور شتت الجهود العربية والاسلامية وافقدها الزخم المطلوب في مفاوضات السلام التي بدأتها الدول العربية منذ مؤتمر مدريد العام 1991 والسعي لحل الدولتين، وخلق حالة انقسام في القرار السياسي داخل البلدان المعنية، وتحديدا فلسطين ولبنان، الأمر الذي اضعف بالنتيجة الجبهة العربية والاسلامية، حيث ترى السعودية ايضا، أن اسرائيل هي المستفيد الاكبر من هذا الانقسام، وكذلك تتهم ايران بانها تستثمر في القضية الفلسطينية لمصالحها كدولة (قومية) طامحة للسيطرة والنفوذ في المنطقة.
في المقابل، ترى ايران أن السعودية تقف بوجه مشروعها الاسلامي لصالح اميركا واسرائيل.. ما يعني أن الخلاف بين الطرفين بنيوي وليس اجرائيا يتعلق بتفاصيل معينة يمكن معالجتها بالطرق الدبلوماسية أو غيرها.. ومن هنا نجد أنه في حال لم يتفق الطرفان على حسم الملفات الشائكة في المنطقة أو ايجاد رؤية واقعية للتعامل معها، فإن هذا الاتفاق لن يكون له أي تأثير على نشاط البلدين المتعارض في المنطقة، وأن الخلافات ستبقى وتتفاقم اكثر مستقبلا.
ولعل أهم ما تطمح إلى تحقيقه السعودية اليوم هو حسم ملفي اليمن ولبنان، لانهاء الازمة المستمرة في هذين البلدين، والتي هي امتداد لخلاف سعودي ايراني، بالإضافة إلى العمل على انهاء الانقسام الفلسطيني الذي يتغذى من هذا الخلاف، اما الملف السوري الذي كان عنوان الخلاف الابرز بين البلدين خلال عقد (الربيع العربي)، فإنه في طريقه إلى التسوية بعد أن استعادت سوريا شيئا من عافيتها أمنيا، وسياسيا بعودتها التدريجية إلى الحاضنة العربية، وفي ما يخص العراق الذي كان يشغل السعودية كثيرا النفوذ الايراني فيه، فإنه بات الأقل اقلاقا لها بعد ان اخذ يعود لنفسه تدريجيا على خلفية ثورة تشرين العام 2019 وتكيّف المناخ السياسي فيه لصالح مشروع الثورة وثقافتها.
إذاً، عودة العلاقات السعودية الايرانية، لا تختزل بالجانب الدبلوماسي، وإن كان هذا عنوانا لها، لكنه يبقى مفرّغا من مضمونه أو هدفه، من دون أن يتم الإتفاق على ايجاد صيغ عملية وواقعية، تستحضر رؤية مشتركة ولو نسبيا، لإنهاء المشاكل المشار اليها والتي بات هذا الخلاف يفاقمها ويجعل الشعوب وحدها تدفع ثمنها، ولعلها اليوم باتت غير قادرة على الاستمرار بدفع هذا الثمن بعد أن بركت اكثر من دولة في وحل ازمات خانقة جدا باتت تهدد بانهيارها.. ويبقى السؤال الكبير؛ هل يستحق ما اعلن عنه الضجة الاعلامية الكبيرة، ام ان هناك شيئا ما يتخلق في كواليس القرار الدولي، دفع الطرفان لإعادة العلاقات بينهما، لحسابات كل طرف وقراءاته الخاصة؟!
اضف تعليق