اتخاذ قرار اجماعي على مستوى الجمهور اولا وعلى مستوى القيادات ثانيا، بالعمل على جعل العراق دولة حضارية حديثة، وهذا لا يعني سوى اعادة بناء الدولة العراقية على اسس حضارية حديثة. وهذا قرار اتخذته مجتمعات عديدة ونجحت في تحقيقه من اليابان الى رواندا، على سبيل المثال....
بغض النظر عن الدرجة الحضارية التي يمر بها المجتمع، فان تجربة خليجي ٢٥ الناجحة في العراق تشير الى امكانية المجتمع تحقيق انجاز حضاري، مادي وغير مادي، اذا توفرت عدة عناصر ضمن المركب الحضاري للمجتمع مثل القرار، والامكانيات المادية، والكفاءة الادارية وغير ذلك.
بقدر ما اعرف فان صاحب القرار في وقتها عمل على توفير البنية التحتية ممثلة بالملاعب ذات المستوى العالمي، وناضل بقوة من اجل اقناع الجهات المعنية بإقامة الدورة في العراق، ووفر المستلزمات الادارية المطلوبة لذلك، وتوفرت الايدي العاملة الماهرة والعقول المدبرة لإنشاء كل هذا، حتى اصبح بالإمكان اقامة المباريات في العراق وبالشكل الراقي الذي تحقق حتى لحظة كتابة هذا المقال، الامر الذي اكد على قدرة المركب الحضاري للمجتمع العراقي ومنظومة القيم العليا الحافة به على الاشتغال والخروج من الانسداد الحضاري الذي يعاني منه المجتمع.
ما اريد التأكيد عليه هو ان حالة الانسداد الحضاري، او التخلف، او الخلل الحاد في المركب الحضاري، ليست حالة مزمنة chronical لا يمكن شفاؤها والخروج منه، وانها حالة مؤقتة مهما طال زمنها لان العناصر الاساسية للمركب الحضاري للمجتمع العراقي متوفرة بهذه الدرجة او تلك.
وعليه فان حالة اليأس وفقدان الامل والاحباط التي يشعر بها البعض ليست صحيحة، وان بالإمكان استثمار ما هو متوفر من اجل التقدم خطوة الى الامام، تتلوها خطوات اخرى. وهذا ما حصل في كل المجتمعات التي استطاعت ان تنهض حضاريا بعد فترات جمود وسكون. ما اريد قوله ان المجتمع الذي نجح في اقامة دوري الخليج يستطيع ان ينجح في مشاريع اخرى بشرط توفر نفس مقومات النجاح التي توفرت في خليجي ٢٥. هذا ليس املا كاذبا ولا سرابا خادعا وانما هو استنتاج سليم قائم على مقدمات سليمة.
لكني لا انكر ان هناك عقبات كبيرة امام هذا الامل الاساسي منها عدم وجود قرار اجماعي في المجتمع على النهوض الحضاري، وعدم صياغة البرامج الحكومية والاجتماعية الاخرى على اساس هذا الهدف، وعدم وجود تصميم وقرار قيادي بالسير في الطريق المؤدي الى الدولة الحضارية الحديثة مماثل للتصميم الذي انتج امكانية اقامة خليجي ٢٥.
املي في هذا الامر معقود بالدرجة الاولى لا على العناصر القيادية في الدولة (الحاكمين) وانما على الجمهور الواسع من المواطنين (المحكومين) الذين يشكلون الكتلة الاساسية لبناء الدولة. ان الدولة تتكون بالأساس من هذه الكتلة التي يتوقف عليها صلاح الدولة وقدرتها على الانجاز. فاذا صلحت الكتلة الشعبية صلحت الدولة، والعكس يصح.
والجمهور في نهاية الامر هم الذين يصنعون القيادات الحاكمة عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة والاحزاب الوطنية المخلصة. وهذا يتطلب نضالا شعبيا منظما عن طريق حزب وطني حضاري كبير، وعن طريق المشاركة الايجابية في انتخابات حرة ونزيهة.
وهذا الخط في العمل يتطلب الحرص على الامكانيات الشعبية المتوفرة من الهدر والضياع عن طريق فعاليات ونشاطات غير مثمرة ولا تصب في المجرى الاساسي للوصول الى الهدف المعلن والمنصوص.
ما أريد التأكيد عليه هو ان اقامة الدولة الحضارية هدف ممكن التحقق، كما تمت البرهنة العملية على ان اقامة خليجي ٢٥ هدف ممكن. ولا يوجد دليل على عدم امكان اقامة الدولة الحضارية في العراق سوى اليأس والسلبية غير المبررين.
الامر لا يتطلب في البداية سوى اتخاذ قرار اجماعي على مستوى الجمهور اولا وعلى مستوى القيادات ثانيا، بالعمل على جعل العراق دولة حضارية حديثة، وهذا لا يعني سوى اعادة بناء الدولة العراقية على اسس حضارية حديثة. وهذا قرار اتخذته مجتمعات عديدة ونجحت في تحقيقه من اليابان الى رواندا، على سبيل المثال.
اضف تعليق