الثِّقةُ بالنَّفس وطرد الإِنهزاميَّة أَمام الماكينة الإِعلاميَّة التي تسخِّرها هذهِ الفِتنة لتضليلِ الرَّأي العام وخِداع المُغفَّلين لدرجةِ تحويلهِم إِلى حطبٍ لنيرانِ حروبهِم السياسيَّة العبثيَّة التي لا طائِلَ من ورائِها، إِنَّ الثِّقة بالنَّفس حجر الزَّاوية في الثَّبات وعدم الإِنهيار. والثِّقةُ بالنَّفس أَساسها الثِّقة بالله التي نفِّوضُ لهُ أُمُورنا كلَّها...
لا تحزن أَو تستغرِب أَو تهتزَّ قناعاتِكَ أَو تنهارَ قُواكَ أَو تفقُدَ ثِقتكَ بالله وبنفسِكَ وقيمِكَ ومعتقداتِكَ إِذا رأيتَ الخَيلَ تدوسُ صدرَ الحُسينِ السِّبط (ع) وأَنَّ رأسَ الإِمامِ يجولُونَ بهِ في البُلدانِ [وهو ريحانةُ رسولِ الله (ص)] والطَّاغيةٌ يزيدٌ إِبنُ الطُّلقاءِ، شاربُ الخمرِ وقاتلُ النَّفسِ المُحترمة، ينامُ على الحريرِ وبجانبهِ قِردَهُ المُدلَّل!.
لا يدبُّ الشكَّ في ثوابتِكَ وأَنتَ ترى رأسَ نبيَّ الله يحيى (ع) يُهدى إِلى بغيٍ مِن بغايا بني إِسرائيل!.
لا يذهبنَّ بعقلِكَ الشَّيطانُ وأَنت ترى عقيلةَ الهاشميِّين المُخدَّرة والعالِمة غَير المُعلَّمة زينب بنت عليٍّ (ع) تُساقُ كالإِماءِ إِلى مجلسِ الطَّاغية يزيد!.
عليكَ بالإِجتهادِ، أَمَّا النَّجاحُ والتَّوفيقُ فعلى ربِّ العِباد {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
نحنُ اليَوم في بلاءٍ عظيمٍ سببهُ الفِتن، نقفُ عند مُفترقِ طُرقٍ، فإِما أَن نثبُت فنُواجه أَو أَن نهتزَّ فنستسلِم فننهارَ فيأخُذنا السَّيلُ الجارفِ إِلى [حيثُ أَلقت رحلها أُمَّ قَشْعَمِ].
ولكلِّ طريقٍ نختارهُ ثمنٌ ندفعهُ لنسلكهُ، فللثَّباتِ والتحدِّي ثمنٌ يجب أَن نُشخِّصهُ أَوَّلاً ثمَّ نستعدَّ لهُ بالتسلُّح بأَسلحتهِ لنخوضَ غِمارهُ باقتدارٍ يعتمدُ الإِيمان واليقين والثِّقة.
والثِّقةُ لا تمنحُنا النَّجاح وانَّما تساعدُنا على مُواجهةِ التحديَّات.
أَمَّا خيارُ الإِنهيار فلا داعي للحديثِ عنهُ أَصلاً، إِذ يكفيكَ أَن تتسمَّر في مكانِكَ بِلا حركةٍ تتفرَّج ليجرفكَ السَّيل إِلى وادٍ سحيقٍ وينتهي كُلَّ شيءٍ.
وإِنَّ من أَخطر الفِتن هي فتنة [تُجَّار المُقدَّس] الَّذين يتستَّرونَ بالدِّين فلا أَنتَ قادرٌ على مواجهتهِم لانَّكَ بهذهِ الحالة تُواجه المُقدَّس وهذا فعلٌ حرامٌ يقودك إِلى غضبِ الله تعالى وبالتَّالي يسوقَك إِلى النَّار، هكذا يُسوِّقونَ الفِكرة لإِرهابِ النَّاسِ وتحريضهِم، ولا أَنتَ بقادرٍ على أَن تسكتَ وتلوذَ بالصَّمتِ لأَنَّكَ عندما قبِلتَ أَن تتحمَّل مسؤُوليَّة الأَمانة التي عرضها الله تعالى على خلقهِ، لم يعُد بإِمكانكَ التَّراجُع أَو إِعادتِها أَو تسليمها لغيركَ، أَبداً.
يقولُ تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.
ولقد وصفَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) فتنةَ بني أُميَّة بأَنَّها الأَخطر على الأُمَّة للأَسباب التَّالية {أَلَا وَإِنَّ أَخْوَفَ الْفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فِتْنَةُ بَنِي أُمَيَّةَ فَإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ مُظْلِمَةٌ عَمَّتْ خُطَّتُهَا وَخَصَّتْ بَلِيَّتُهَا وَأَصَابَ الْبَلَاءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا وَأَخْطَأَ الْبَلَاءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا وَايْمُ اللَّهِ لَتَجِدُنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ أَرْبَابَ سُوءٍ بَعْدِي كَالنَّابِ الضَّرُوسِ تَعْذِمُ بِفِيهَا وَتَخْبِطُ بِيَدِهَا وَتَزْبِنُ بِرِجْلِهَا وَتَمْنَعُ دَرَّهَا لَا يَزَالُونَ بِكُمْ حَتَّى لَا يَتْرُكُوا مِنْكُمْ إِلَّا نَافِعاً لَهُمْ أَوْ غَيْرَ ضَائِرٍ بِهِمْ}.
أَوَّلاً؛ المقصود ببني أُميَّة هُنا ليس شخوصهِم وأَشكالهِم وأَسماءهِم وإِنَّما حالتهُم ونهجهُم وسياساتهُم وأَدواتهُم، ولذلكَ فعندما رفضَ الحُسين السِّبط (ع) بَيعة الطَّاغية يزيد قال {مثلي لا يُبايع مِثلهُ] فهوَ (ع) نهجٌ ويزيد نهجٌ.
هذا النَّهج الأَموي هو الذي يُمثِّل اليَوم قِمَّة الفِتن وأَخطرها علينا، لأَنَّهُ نهجٌ يتستَّر بالدِّين والمذهب والمُقدَّس، وهوَ يُدمِّرُ دينكَ وقيمكَ ومُقدَّساتكَ وحتَّى ثوابتكَ وهو لا يرضى منكَ إِلَّا أَحد حالتَينِ كما ذكرها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {حَتَّى لَا يَتْرُكُوا مِنْكُمْ إِلَّا نَافِعاً لَهُمْ أَوْ غَيْرَ ضَائِرٍ بِهِمْ}.
وفي كِلا الحالتَينِ ستكونُ جُزءاً تافهاً في ماكينتهِم وآلتهِم الكبيرة التي يُسيطِرونَ بها على مُقدَّرات البلد.
ونحنُ إِذا واجهنا هذهِ الفتنة العمياء فسنواجهُ كُلَّ فتنةٍ أُخرى.
والسُّؤَال؛ كيفَ نُواجهها؟!.
بالثِّقة أَوَّلاً وقبل أَيِّ شيءٍ آخر، فالثِّقةُ بالنَّفس وطرد الإِنهزاميَّة أَمام الماكينة الإِعلاميَّة التي تسخِّرها هذهِ الفِتنة لتضليلِ الرَّأي العام وخِداع المُغفَّلين لدرجةِ تحويلهِم إِلى حطبٍ لنيرانِ حروبهِم السياسيَّة [الطائفيَّة وغيرها] العبثيَّة التي لا طائِلَ من ورائِها، إِنَّ الثِّقة بالنَّفس حجر الزَّاوية في الثَّبات وعدم الإِنهيار.
والثِّقةُ بالنَّفس أَساسها الثِّقة بالله تعالى التي نفِّوضُ لهُ أُمُورنا كلَّها من دونِ تواكُلٍ {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} عندما نتيقَّن بأَنَّ {ٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} وكما يقولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) {يا أَيُّها النَّاس توكَّلوا على الله وثِقُوا بهِ، فإِنَّهُ يكفي مِمَّن سِواهُ} وقولهُ {الثِّقة بالله حِصنٌ لا يتحصَّن فيهِ إِلَّا مُؤمِنٌ أَمينٌ} وقولهُ {مَن وثِقَ بالله أراهُ السُّرور، ومَن توكَّلَ عليهِ كفاهُ الأُمور} وقولُ الإِمامُ مُحمَّد بن عليِّ الباقر (ع) {مَن هذا الذي سأَل الله فلَم يُعطهِ؟! أَو توكَّلَ عليهِ فلَم يكفهِ؟! أَو وثِقَ بهِ فلَم ينجِهِ؟!} وقولُ لُقمان الحكيم لإِبنهِ وهوَ يعظهُ {يا بُنيَّ ثِق بالله عزَّ وجلَّ ثُمَّ سَل في النَّاسِ هل مِن أَحدٍ وثِقَ بالله فلَم ينجِه؟! يا بُنيَّ توكَّل على الله ثُمَّ سَل في النَّاسِ مَن ذا الذي توكَّلَ على الله فلَم يُكفه؟!} وقَول الإِمام مُحمَّد الجَواد (ع) {الثِّقة بالله تعالى ثَمنٌ لِكُلِّ غالٍ، وسِلمٌ إِلى كُلِّ عالٍ} وقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {الثِّقةُ بالله أَقوى أَمل} وقولهُ {مَن وثِقَ بالله صانَ يقِينهُ}.
ويصفُ الإِمام علي بن الحُسين السجَّاد زين العابدين (ع) الثِّقة بالله في معرضِ دُعاءٍ لهُ يقولُ فيهِ {اللَّهُمَّ إِنَّكَ مَنْ وَالَيْتَ لَمْ يَضْرُرْهُ خِذْلَانُ الْخَاذِلِينَ، وَمَنْ أَعْطَيْتَ لَمْ يَنْقُصْهُ مَنْعُ الْمَانِعِينَ، وَمَنْ هَدَيْتَ لَمْ يُغْوِهِ إِضْلَالُ الْمُضِلِّينَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَامْنَعْنَا بِعِزِّكَ مِنْ عِبَادِكَ، وَأَغْنِنَا عَنْ غَيْرِكَ بِإِرْفَادِكَ، وَاسْلُكْ بِنَا سَبِيلَ الْحَقِّ بِإِرْشَادِكَ}.
ويشرح لنا أَميرُ المُؤمنينَ (ع) سرَّ الإِنهيار أَمام عواصف الفِتن بقولهِ {وَنَاظِرُ قَلْبِ اللَّبِيبِ بِهِ يُبْصِرُ أَمَدَهُ وَيَعْرِفُ غَوْرَهُ وَنَجْدَهُ دَاعٍ دَعَا وَرَاعٍ رَعَى فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي وَاتَّبِعُوا الرَّاعِيَ قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ وَأَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ وَأَرَزَ الْمُؤْمِنُونَ وَنَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ نَحْنُ الشِّعَارُ وَالْأَصْحَابُ وَالْخَزَنَةُ وَالْأَبْوَابُ وَلَا تُؤْتَى الْبُيُوتُ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً}.
إِذا تسلَّحنا بالثِّقةِ التي يُنتجها اليقين والتوكُّل، فسوفَ لا نُصدِّق بأَنَّ [النَّصر المزعُوم] الذي يحقِّقهُ من ينتهج نهجَ الأَمويِّين هو حقيقة وهوَ دليلٌ على أَنَّهم على حقٍّ، وأَنَّ الله معهُم، [وأَنَّ أَنفاس الزَّهراء حاضِرة] كما يقُولُ أَحد الدجَّالين الذين يُتاجرُونَ بالمُقدَّس! أَبداً، فانتصاراتهُم آنيَّة شكليَّة وهي استدراجٌ إِلهيٌّ إِلى الهاوِية، فلقد شاء الله تعالى أَن لا يأخُذَ الظَّالم إِلَّا بعدَ أَن يبسِط له كُلَّ شيءٍ حتَّى يُسقِطَ عنهُ كُلَّ الحِجج فتظهر إِرادةُ الله تعالى فقط الأَخذِ بلا تردُّدٍ أَو شكٍّ {حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وقولهُ {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} ولنا في التَّاريخ عِبر ودرُوس، رُبما كانَ آخرها وليس أَخيرها عِبرة الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين.
أَتذكَّر إِبَّان إِنتفاضة صفر الظَّافرة ضد النِّظام الدِّيكتاتوري عام ١٩٧٧ وعندما زارَ وفد المرجعيَّة الدينيَّة العُليا في النَّجفِ الأَشرف رئيس الجمهوريَّة وقتها [أَحمد حسَن البكر] للتوسُّط عندهُ لتخفيفِ أَحكام الإِعدام التي صدرت بحقِّ عددٍ من الحُسينيِّين الذين شاركُوا في الإِنتفاضة، قالَ البكر للوفدِ [نحنُ على حقٍّ وأَنَّ الله معنا، والدَّليلُ على ذلكَ أَنَّ (الإِنتفاضةَ) لم تُسقِطنا فمازلنا في السُّلطةِ على الرَّغمِ من خطورةِ المَوقفِ].
الواثقُونَ من أَنفسهِم لم ينهارُوا وقتها أَمامَ هذهِ الفلسفة الشيطانيَّة التي سعى بها النِّظام إِلى إِنزالِ الهزيمةِ النفسيَّةِ في نفوسِ المُجتمع، أَمَّا المهزومُونَ المُتردِّدُونَ فصدَّقوا القَول وانهارُوا.
نسوُا أَنَّ [صمود] الطَّاغوت بوجهِ الإِنتفاضة كان استدراجاً ليومٍ آخر وموعدٍ آخر سيخرج بهِ الطَّاغية من بالوعةٍ هي أَشدُّ أَلماً عليهِ من يومِ الإِنتفاضة.
وهكذا يتحقَّق قَول الله تعالى {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}.
اضف تعليق