q
تعتمد الدبلوماسية الأمريكية على تعزيز التكامل الإقليمي، خصوصاً مع دول القارة الأمريكية ودعم حقوق الإنسان، وفقاً للمنظور الأمريكي، وهذا يعني أن واشنطن على الرغم من تداعيات النظام الدولي الذي تشكّل بعد انتهاء الحرب الباردة في نهاية الثمانينات، تسعى إلى الحفاظ على مكانتها من خلال قوة الاختيارات واختيارات القوة...

في 12 من أكتوبر/تشرين الأول 2022 أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، «استراتيجية الأمن القومي» ومحورها على المستوى الدولي «التغلّب على الصين وكبح جماح روسيا»، بتحديث الجيش، وبناء تحالفات مع الدول ذات التوجهات المماثلة، أما على المستوى الداخلي فإنها ركّزت على «استعادة الديمقراطية المتراجعة في الولايات المتحدة»، ومعالجة آثار فترة الرئيس ترامب وما أحدثته من تصدّعات طالت «القيم الأمريكية».

وتعتبر استراتيجية بايدن استمراراً لاستراتيجية جورج دبليو بوش التي عرفت «بالاستراتيجية الوقائية» التي كان من بين قراراتها الخطرة غزو أفغانستان عام 2001، واحتلال العراق عام 2003، بزعم «القضاء على الإرهاب» و«نزع أسلحة الدمار الشامل»، و«إقامة أنظمة ديمقراطية»، في حين أن استراتيجية أوباما الذي عمل بايدن نائباً له، اعتمدت على «القوة الناعمة» للتغلغل والتأثير في الشعوب والبلدان تحت عنوان «إقامة عالم خالٍ من الأسلحة النووية للتغلب على الفقر والمرض».

ويمكن القول إن الأزمة الأوكرانية والحرب الروسية التي بدأت منذ شباط/فبراير 2022، ألقت بظلالها على الاستراتيجية الأمريكية، يضاف إليها ارتفاع حدة التوتر مع الصين والعقوبات المفروضة عليها، وعلى روسيا أيضاً، والتي تعاظمت في الفترة الأخيرة بعد التوغّل العسكري الروسي في الأراضي الأوكرانية.

وثمة تحديات عالمية أخرى تطلّبت من واشنطن أخذها بعين الاعتبار مثل أزمة تغّير المناخ التي التأمت قمة عالمية لها في مصر (كوب27، شرم الشيخ 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2022)، وقد سبق لإدارة ترامب أن أعلنت انسحابها عام 2019 من اتفاقية باريس للتغيّر المناخي المبرمة في 2015؛ الأمر الذي أضعف ثقة المجتمع الدولي بها، وطرح تساؤلات كبيرة بشأن التزاماتها كدولة عظمى وعضو دائم العضوية في مجلس الأمن الدولي. ويأتي حضور واشنطن قمة المناخ لترميم السياسة الأمريكية الخارجية وعودة إلى فترة ما قبل ترامب.

إن استراتيجية واشنطن الأخيرة أولت اهتماماً إضافياً مكثّفاً للصين في مواجهة محمومة لما تسمّيه «التهديد الصيني»، من خلال تعظيم نقاط القوة الأمريكية والاستثمار أكثر في البنية التحتية والتعليم والتدريب والأمن السيبراني والطاقة الخضراء ومجالات أخرى.

أما حصّة الشرق الأوسط من الاستراتيجية الأمريكية فقد تدنّت إلى حدود لم يسبق لها مثيل، ومن تبريرات ذلك أن «خطر الإرهاب» انخفض ولم يعد يشكّل تحدياً كبيراً كما كان في العقد الماضي، في حين ارتفع التركيز على قضايا الداخل الأمريكي، ومواجهة الصين وروسيا في الخارج، علماً بأن ما يحدث في الشرق الأوسط يمثّل تهديداً خطراً للسلم والأمن الدوليين من جهة، ولمصالح الولايات المتحدة من جهة أخرى.

أما بخصوص القضية الفلسطينية، فإن حل الدولتين الذي أخذت به الإدارات الأمريكية منذ عهد كلينتون وبوش وأوباما، بقي غامضاً وملتبساً، خصوصاً في ظل نقل سفارة واشنطن إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لها، كما فعل ترامب، وحتى الآن وإن اختلفت سياسة بايدن عن سياسة سلفه، فإنه لا توجد أي مبادرة على هذا الصعيد لفرضها على حليفته إسرائيل التي تتمادى في انتهاك حقوق الشعب العربي الفلسطيني بما فيه حقّه في تقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، طبقاً لقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية 2002، ويبقى موضوع إيران شغلاً شاغلاً لواشنطن التي ترصد اليوم الاحتجاجات الواسعة فيها تساوقاً مع ما ورد في استراتيجية الأمن القومي من تأكيد «ردع أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة»، وكذلك التوجّه لمنعها من تطوير الأسلحة النووية.

وتعتمد الدبلوماسية الأمريكية على تعزيز التكامل الإقليمي، خصوصاً مع دول القارة الأمريكية ودعم حقوق الإنسان، وفقاً للمنظور الأمريكي، وهذا يعني أن واشنطن على الرغم من تداعيات النظام الدولي الذي تشكّل بعد انتهاء الحرب الباردة في نهاية الثمانينات، تسعى إلى الحفاظ على مكانتها من خلال قوة الاختيارات واختيارات القوة، وهذا أمر لا يرتبط بسياستها الداخلية والخارجية؛ بل يعتمد على ميزان القوى على المستوى الدولي.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق