لا يليق ببلادنا أن تشيع فيها ظاهرة الكدية لأشخاص بملابس رثة وأجساد قذرة، وتأكدوا انهم ليسوا فقراء، فالفقراء متعففون، وهم غاطس مجتمعنا، لا يراهم أحد، وتحسبهم من فرط التعفف أغنياء، لابد من تطهير حياتنا من هذه الظاهرة، بحجزهم ومحاسبتهم والتحقق منهم، نحيل الفقراء حقا الى الرعاية الاجتماعية...
أخوكم أبو سارة احترق محله ولابد من مساعدته، هكذا تقول العبارة التي خُطت على قطعة من قماش، ويمسكها شابان في العقد الثاني من العمر وثالث يقف الى جانبهما وسط شارع عام مكتظ بالسيارات والدراجات النارية، لا يمكنني بحال تصديق مضمون ما كُتب على اللافتة، ويتملكني احساس عال بأنها اسلوب مبتكر للاستجداء، ولكي يوحون للمارة بأن الناس متعاطفة مع أبو سارة العزيز، واستمالتهم للعطاء، يمسك كل منهم برزمة من المال، القلة من المارة يعطون تعاطفا او استحياء او عدم رد السائل من باب دفع البلاء صادقا كان ام كاذبا، والكثرة تشيح بوجهها عنهم.
وفي يوم ومكان آخر رأيت شبابا بالعمر نفسه ان كانوا هم ام غيرهم لم أركز على وجوههم قدر تركيزي على اللافتة التي تشير الى طفل مصاب بالسرطان، ولعل أغرب حالة ولم يحدث أن رأيتها فيما سبق: شابان يقفان الى جانب سيارة متضررة بحادث كما يبدو ويطلبان المساعدة لإصلاحها لأنها باب رزق أخينا أبو لؤي.
الكدية فنون، ويمكن لها الانطلاء على البسطاء، ومهنة لا بضاعة فيها تتلف، ولا رأس مال يخسر، ولا جهة مسؤولة تحاسب، مردوداتها ضخمة بدلالة اتساعها الكبير، حتى أصبحت مزعجة ومقرفة للناس، بل بعضهم كالذبابة تلتصق بعينك لا ينفع معها نشّ، ولا انت بقادر على الخلاص منها، خصوصا الأطفال الذين يستجدون بعمل كاذب كبيع ورق الكلينكس او مسح السيارات التي غالبا ما تلوث بدل أن تنظف، ولن أتحدث عن تلك الفتيات الجميلات بعمر المراهقة، وبعضهن سوريات كما يقولون، فالحديث عنهن محزن، لكن أكثر ما يؤذيني ويعتصر قلبي رؤية أطفال رضع لا تتجاوز أعمارهم الشهور بين أيدي نساء بوجوه قاسية، وبعضهم ملقى على الرصيف يغط بنوم عميق، اجزم ان نومهم ليس طبيعيا، بل بفعل حبوب منومة، فهل هؤلاء الأطفال أبناء لهذه النسوة؟، أشك في ذلك، لن تعرّض أم مهما كان عوزها أطفالها للحر والبرد هكذا، ما أستغربه ان النسوة يقفن قرب سيطرات أمنية او مرورية وبحرية تامة، من دون أن يتعرضن لمسائلة أحد من المنتسبين، او التحقق من عائدية الأطفال، ما ذنبهم، اليس للطفولة حقوق يجدر بنا الحفاظ عليها؟
يا سادة الأطفال أبناء الدولة قبل أن يكونوا أبناء لأمهات عابثات، ويفترض بالدولة ألا ينافسها أحد بحنانها، فاذا كنا عاجزين عن معالجة هذا الظاهرة المخجلة وغير الحضارية، كيف سيمكننا التصدي للسلاح المنفلت والعنف ضد النساء وحفظ هيبة القانون من منتهكيه، معيارنا القضاء على هذه الظواهر، وعند ذاك يحق للمسؤولين الحديث عن السلاح المنفلت، العجز واضح، وكل ما عداه ذرائع غير منطقية يؤطرها البعض انسانيا لتبرير الفشل، لابد من حضور حقيقي للدولة في كل زوايا المجتمع، وبغيابها، الناس أجناس ومنهم من لا يوضع في (العب) كما يُقال.
لا يليق ببلادنا أن تشيع فيها ظاهرة الكدية لأشخاص بملابس رثة وأجساد قذرة، وتأكدوا انهم ليسوا فقراء، فالفقراء متعففون، وهم غاطس مجتمعنا، لا يراهم أحد، وتحسبهم من فرط التعفف أغنياء، لابد من تطهير حياتنا من هذه الظاهرة، بحجزهم ومحاسبتهم والتحقق منهم، نحيل الفقراء حقا الى الرعاية الاجتماعية، ونعاقب من كان عنصرا في منظمة للكدية، لكن كيف نعاقب أطفالا دخلوا على خط الظاهرة ولا وجود لقانون يتعامل مع هذه الحالة، يتعذر رجال الأمن بعدم وجود توجيه مركزي بالتصدي لممتهني الكدية أطفالا وكبارا، ولا يمكن التصرف بدون أمر، ولهم في هذا كل الحق، وأسعدتنا الأنشطة التي تقوم بها الشرطة المجتمعية بهذا الشأن، لكنها غير كافية لكبر حجم الظاهرة ومحدودية الامكانيات، لذا نوجه كلامنا للجهات العليا: لا تُحل المشكلات بالمناشدات والأدعية، واذكّركم بعدم نسيان الدعاء لأخيكم أبي السارة بالتوفيق.
اضف تعليق