قد تتعرض الأمم والشعوب والدول أيضا، الى هزّات عنيفة، سياسية، اجتماعية، اقتصادية، وربما تكون متوقعة في معظم الأحيان، نتيجة لتراكم السياسات الخاطئة للحكومات والنخب على حد سواء، وفي جميع الأحوال لا سبيل للدولة والشعب، سوى مواجهتها، والعمل على تقليل أضرارها ومضاعفاتها الى أدنى حد ممكن، على أن يتحرك الجميع في هذا الاتجاه، ومن بينهم النخبة المثقفة.
فالصحيح يتمثل بالحضور الفاعل للمثقف، في الأزمات، على أن يكون هذا الحضور مدروسا ومنطويا على مؤشرات التأثير في الواقع، إذ أن الثقافة ينبغي أن تسهم في توجيه مسارات المجتمع، وتساعد على رؤية سياسية، تضع مقترحات وحلولا بين أيدي السياسيين لمعالجة الأزمات، إذ لا يقتصر دور الثقافة والمثقف، على الجانب اللفظي المجرد، بل لهما قصب السبق في تعميق وتطوير منظومة القيم الجيدة في عموم شرائح وطبقات المجتمع، لاسيما أصحاب القرار.
لذلك يرى المعنيون من المفكرين والفلاسفة وأصحاب الشأن أن مسؤولية الثقافة والمثقف تتضاعف في اللحظات المحورية وفي المراحل الحرجة، لدرجة أنها تفوق بأضعاف المرات، على مسؤوليات العامة من الناس، وطالما أننا نعيش مرحلة حرجة يحاول العراقيون عبورها بسلام، بل وربما منطقة الشرق الاوسط، لاسيما الدول العربية، والانتقال من حالة السبات السياسي، والخنوع لسلطات القمع، الى حالة نقل السلطة الى الشعب بصورة فعلية، فإن زمنا محوريا كهذا، يتطلب إستعدادا موازيا لقيمته ومزاياه، من لدن النخب كافة، وأولها المثقفين.
الخطوات الفكرية و العملية؟
تُرى هل اتخذ المثقفون ما ينبغي من خطوات عملية وفكرية للقيام بدورهم في هذه المرحلة الحرجة؟، إن هذه النخبة كما يذكر التأريخ المنظور وسواه، لها باع طويل في تحريك الطاقات الكامنة للشعوب، من خلال حُزَم وموجات الوعي المتواصلة، التي تزجها في عقول الناس البسطاء وغيرهم، لذا يُنظر الى المثقف، على أنه مسؤول فكري مبدئي، يمهد السبل الصحيحة لشرائح الشعب الاخرى، لكي تواصل سيرها في المسارات الصحيحة، وهذه مسؤولية أساسية للمثقف كونه إنسان ريادي.
لذلك يرى المعنيون وأصحاب الشأن، أن هناك أولويات تتصدر غيرها فيما يتعلق بالمثقفين، ومنهم المثقف العراقي، فهو صاحب أولويات، أو ينبغي أن يكون كذلك، وهذه الأولويات ليست جديدة، لكنها قطعا تتغير من ظرف الى آخر، ترى هل يمكن لنا أن نتساءل عن هذه الأولويات، وماهيتها، أو طبيعتها، وقدرتها على تحقيق أهداف الشعب، في التحرر والعيش بطريقة تحفظ حقوقه وحرياته وكرامته؟ لاسيما أن الصراع يبدو وكأنه بين الشعب من جهة وبين الطبقة السياسية الحاكمة من جهة ثانية.
لذلك يتوقع الشعب من المثقفين أن يتحلون بمستوى المسؤولية الذي يتناسب مع هذه المرحلة الحرجة، التي تكتنف حياة العراقيين جميعا، فضلا عن شعوب ودول المنطقة الأخرى، ولو تخيلنا إجابات المثقف العراقي، في هذه المرحلة المحورية، التي ينتقل فيها المواطن البسيط، من التفكير السطحي، والقبول بما يسد الرمق، الى التفكير الجوهري، والسعي الى تحقيق النمط الحياتي التحرري، فإننا قد نصاب بخيبة كبيرة، لأننا سوف نطلع على سقف من المطالب، لا يليق قطعا بدور المثقف والثقافة في هذه المرحلة التي تعد من اخطر المراحل المستجدة في حياة العراقيين.
في الحقيقة هناك مؤشرات نستمدها مما يحدث في الواقع العراقي الآن (سلسلة المظاهرات والاحتجاجات والإصلاحات الحكومية وسواها)، وليس استنادا الى عشوائية التصوّر والاستنتاج، بل نحن نستند الى وقائع، يمكن أن نبصرها، ونلمسها في الشارع العراقي، تستدعي من المثقفين مواقف حاسمة في هذه المرحلة، ولكن ليس ثمة شيء من هذا القبيل للأسف.
لأننا يمكن أن نلاحظ انحسار دوره، وضعفه في معظم الأحيان، فضلا عن اهتمامه بشؤون أقرب للفردية والذاتية، فالمثقف العراقي صاحب أدنى سقف للمطالب، بل غالبا ما ترتبط مطالبه، بمطالب الذات او الفردية المستمَدة من أنانية، لم نستطع كمثقفين أن نتخلص منها، وإذا كان الأمر كذلك، فما بالك بالشرائح الأقل وعيا، لاسيما أنها تستمد رؤيتها ومواقفها ومطالبها المشروعة من شريحة المثقفين إذا صح التوصيف؟.
وعي المثقف الى أين؟؟
لذلك كما تشير كثير من الوقائع أن وعي المثقف العراقي، لايزال متأثرا بحالة الغبن العامة التي تعرّض لها عموم الشعب، من الحكومات العراقية التي تعاقبت على تهميشه، وسلب حقوقه، وتحجيم تطلعاته، ولكن لايجوز للمثقف أن يتساوى في الوعي، مع عامة الناس، واذا صح هذا فإنه من باب أولى، ينبغي أن لا يتساوى في نوع ومستوى سقف المطالب مع الآخرين، خاصة أن الجميع ينظر الى المثقف كونه قائد فكري قادر على إحداث التغيير الأفضل للمجتمع.
علما أن الحرية هي المطلب الدائم للمثقفين، وهذا المطلب هو الذي كان سببا مباشرا بقتل، واعدام، ونفي، وتشريد مئات المثقفين على مر التأريخ، ولم تكن المطالب المادية الفردية، والامتيازات، والاغراءات، من شيم المثقثين الأصلاء، لأنها غالبا ما تكون سلاح الحكومات المستبدة وقادتها الطغاة، فحرية الشعب أولا، ثم يأتي الطعام، والسكن، واللباس، والخدمات المادية، التي ستأتي كتحصيل حاصل، لمطلب الحرية الذي لن يتنازل عنه المثقف الأصيل، أو يُفترَض به أن يكون هكذا، ولا نقصد بالحرية هنا، معناها المجرد، بل نعني جوهرها الفعلي المؤثر في مجريات الامور.
لذلك فإن دور المثقف في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق، وربما المنطقة الإقليمية ايضا، ينبغي أن يرتفع الى مستوى مخاطر هذه المرحلة، فالمطلوب أن يرتفع المثقفون بأنفسهم، وأن يتصدوا للمسؤولية التي تقع على عاتقهم، لأن جميع المؤشرات تدل على إرهاصات تدفع شرائح المجتمع كافة نحو حافة الوعي.
ولابد من استثمار حالة الوعي هذه، لتطوير الوعي المجتمعي عموما، ورص الصفوف، وتوجيه مسارات الضغط في الاتجاهات الصحيحة، بعيدا عن الفوضى، لقطع الطريق أمام الجهات المعادية للعراقيين، والتي تحاول أن توظف احتجاجات الشعب لمصالح سياسية أو طائفية وما شابه.
وفي هذا المجال تحديدا ينبغي أن يظهر دور المثقف والثقافة بقوة، إن جملة من المثقف في مكان عام، او في وسيلة إعلام وتواصل، ربما تحدث الكثير من الأمور وقد تغير الكثير من الآراء والثوابت الخاطئة، فما بالك لو اجتمع المثقفون على تأدية دورهم الصحيح في هذه المرحلة العصيبة؟؟، إن المطلوب كما تستدعي الحاجة الى ذلك، أن ينهض المثقفون بدورهم الفاعل، ومن غير المقبول اي تقاعس أو تردد في هذا المضمار من المثقفين، لأن التخلي عن المسؤولية التاريخية يمثل هروبا وفشلا، يتحمل المثقف نتائجه أمام الجميع.
اضف تعليق