ويبقى التشريع بهذه الصورة منقوص لا يفي بالغرض الأساس المُشرع من اجله، غير مكتمل الملامح؛ ليكون حلا جذريا يعالج مشكلة العقار الذي أصبح امتلاكه بصورة قانونية، حلما يراود الملايين من العراقيين الراغبين بالسكن في مكان لائق تحفهم الخدمات وتوفر لهم أياما مليئة بالراحة والطمأنينة...
56 مطار و40000 كم من الطرق السريعة الجديدة الى جانب استصلاح 15 مليون فدان جديد، وتشييد سبع عواصم، الى جانب 3800 كم من سكك الحديد تربط جميع مناطق الجمهورية، فضلا عن بناء 40 مدينة من الجيل الرابع، وانشاء 12 ميناء جديد، وأخيرا 28 مدينة صناعية جديدة.
عزيزي القارئ عندما تقرأ هذه الأرقام بالتأكيد تُصيبك السعادة، وسرعان ما تختفي عندما تعلم انها ليست في العراق، وسيتم تطبيقها في جمهورية مصر العربية ضمن خطة التطوير الشامل والتغيير الجذري لمرافقها الخدمية والتنموية حتى عام 2050.
بينما العراق لا يزال منشغلا بقانون تمليك العشوائيات الذي أصبح مثيرا للجدل بين الأوساط الشعبية والسياسية، فالقانون الذي لا يزال داخل أروقة البرلمان، لدى القانونيين العديد من الملاحظات عليه، فهو بالأساس اعترف بحقوق المواطنين المتجاوزين على الأملاك العامة واستغلوها لسنين طوال.
من الإشكاليات التي وقع بها المشرع هي ان القانون يشمل جميع الأراضي التابعة للدولة والمتجاوز عليها، قبل تاريخ 31-12-2016، ولم يشمل التجاوز في الفترات الزمنية التي عقبت هذا التاريخ، ويكون التساؤل هنا، كيف يمكن التمييز بين الاحياء والابنية المشيدة قبل وبعد هذا التاريخ؟، وهل ستكون لجنة تحمل قدرا من الفراسة لمعرفة عمر البناء؟
بالتأكيد الامر سيخضع لجملة من المعايير الشكلية المتبعة في الدوائر الحكومية الأخرى، وبالتالي تنتهي بالروتين والواسطة والمحسوبية المرافقة لجميع القرارات الحكومية.
الشروط التي حددها القانون غير منطقية ولا تتماشى مع ما موجود في الواقع، اذ حدد من ضمن شروط الإيجار ان يكون البناء لأغراض السكن حصرا فلا يشمل البناء المعد لأغراض تجارية او غيرها، وان يكون المتجاوز لا يملك هو وزوجته او اولاده اي عقار او دار على وجه الاستقلال وان تكون الأراضي ضمن مخططات التخطيط العمراني للمدن وان تراعى الحدائق والشوارع والمشاريع التي تقع في الرقعة التي فيها تجاوز، اي القانون لا يشمل الدور الواقعة في الاماكن التي عليها مشاريع وطرق وغيرها.
القانون بصيغته الحالية اوجد نوع من التمايز داخل الطبقات المتجاوزة نفسها، فهو حصر التعامل مع الشريحة المتجاوزة قبل 2016، وأعفى او أستثنى، ولم يحدد مصير التجاوزات بعد هذا التاريخ، وكيف سيتم التعامل معها، في الوقت الذي تحتاج جميع العشوائيات الى معالجة فعلية وليس مجرد قانون لم يحظى بالقبول في مجلس النواب بعد ان أبدت العديد من الكتل الاعتراض على مسودته.
من السلبيات المحسوبة على القانون هي تشريعه في الوقت الحالي الذي تمر فيه شريحة عريضة من شرائح المجتمع العراقي بحالة اقتصادية غير مستقرة، وسط الغلاء الفاحش وتخلي الحكومة عن مسؤوليتها، عبر الوقوف مع المواطن لتقليل الحيف الذي لحق بهم على مدى السنوات الماضية والآخذ بالارتفاع يوما بعد آخر.
تشريع القانون بهذه المرحلة والتوقيت يمثل هروب حكومي، وعدم معالجة مشكلة السكن التي أضحت من اعقد المشكلات في البلاد، فالطبقات الفقيرة اليوم بحاجة الى تشريع نص قانوني يخفف من احمالها وليس العكس من ذلك، فالكثير ممكن اختاروا السكن في المناطق العشوائية لا يملكون قوت يومهم، ويفتقرون لأبسط مقومات العيش.
لقد وعدت الحكومات المتعاقبة بإيجاد احياء سكنية مناسبة لمحدودي الدخل، وفاجئت الملايين من الفقراء بالتشريع الحالي الذي سيجبرهم على دفع مقابل بدل ايجار شهري تقرره اللجنة المكلفة بموجب القانون.
من يملك القدرة على تسديد الإيجار الشهري، ما الذي يجبره على البقاء في منطقة اشبه بالخالية من الخدمات؟
يمر البلد في الوقت الحالي بالعديد من المطبات، اوصلته الى حالة استثنائية من الغليان، حكومة غير مشكلة منذ سنة مرت على اجراء الانتخابات المبكرة، تجاذبات وتناحرات لها بداية ولا يعرف أحد بنهايتها، فربما يكون هذا القانون شرارة لاحتجاج آخر يحرك الساكن على الحكومة الحالية التي تريد ان تعيد الهدوء الى سابق عهده.
الجانب المشرق في القانون، والذي يمثل المسحة الإيجابية هو محاولته تنظيم حالة عدم الانتظام والبناء العشوائي التي شوهت معالم اغلب المدن والمحافظات العراقية، حتى بلغت الحدود المعقولة، وأوقفت العديد من المشاريع الحكومية والتي توفر مساحات خدمية كبيرة لمن يحتاجها من أبناء الشعب.
ويبقى التشريع بهذه الصورة منقوص لا يفي بالغرض الأساس المُشرع من اجله، غير مكتمل الملامح؛ ليكون حلا جذريا يعالج مشكلة العقار الذي أصبح امتلاكه بصورة قانونية، حلما يراود الملايين من العراقيين الراغبين بالسكن في مكان لائق تحفهم الخدمات وتوفر لهم أياما مليئة بالراحة والطمأنينة
اضف تعليق