لم يعد الامر مسألة انتخابات مبكرة، او تشكيل حكومة توافقية او اغلبية وطنية، أو وظائف حكومية لجيش العاطلين من الجنسين، او مساعدات نقدية او عينية للفقراء. انما هي قضية نظام سياسي مشوه، يعاني من عيوب تأسيس قاتلة، واختلالات بنيوية في جسم النظام. والحلول ينبغي ان تكون بمستوى طبيعة المشكلة...
مر عام على اجراء الانتخابات التي وصفت زورا بانها "مبكرة"، والحياة السياسية تراوح مكانها، بل قد يصح القول انها تراجعت خطوات كبيرة الى الخلف. فلم يتم انتخاب رئيس الجمهورية ولم يتم تشكيل الحكومة الجديدة حتى الان.
كنت من اوائل من دعا الى اجراء انتخابات مبكرة لتحقيق هدف محدد وهو احداث تغيير نوعي ملموس كميا في الطبقة السياسية الحاكمة منذ عام ٢٠٠٣. لكن تحقيق هذا الهدف كان مشروطا بعدة امور منها: تشريع قانون الانتخاب الفردي، ومشاركة عدد قليل من الاحزاب السياسية ذات الحجوم الكبيرة في الانتخابات، واقامة التزام مباشر بين الناخب والنائب. هذا اضافة الى حصول تغير في اتجاهات الناخبين.
لم يتحقق اي من هذه الشروط. تم تشريع قانون مشوه للانتخابات. دخل الانتخابات عدد كبير جدا من الاحزاب الصغيرة والصغيرة جدا والمجهرية. عزف عن الانتخابات عدد كبير من الناس الذين كان من الممكن ان يحدثوا تغييرا، ولم تتغير الاتجاهات السلوكية الانتخابية عند من شاركوا. ولم تتكون صلة مباشرة بين النائب والناخبين بحيث كان بإمكان زعيم ديني سياسي ان يأمر النواب المؤيدين له بالاستقالة.
اذاً، لم يتغير المشهد السياسي بعد اجراء الانتخابات التي لم تكن مبكرة باي شكل من الاشكال، ولا يتوقع ان تغير المشهد السياسي ايةُ انتخابات مبكرة جديدة اذا لم تتوفر الشروط الموضوعية التي ذكرتها. ولعل هذا هو سبب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت على الدعوة الى الانتخابات المبكرة والتي اكتفت بطرح الاسئلة التالية: "ما هي الضمانات بأن إجراء انتخابات وطنية جديدة لن يذهب سدى مرة أخرى؟ كيف سيقتنع المواطنون العراقيون بأن الأمر يستحق الإدلاء بأصواتهم؟ وما هي التطمينات التي سيحتاجها المجتمع الدولي لتقديم الدعم للانتخابات الجديدة؟"
طبعا، نحن نعرف الجواب وهو ان اية انتخابات مبكرة او غير مبكرة لن تكون قادرة على احداث تغيير ملموس ما لم تتغير الشروط الموضوعية. وهذه الشروط هي: قانون انتخابات فردية غير مشوه، عدد قليل من الاحزاب المتنافسة، مشاركة عدد كبير من الناس بالانتخابات، تغير اتجاهات السلوك الانتخابي لدى المشاركين، اجراءات فعالة للحد من التزوير، القضاء على المال السياسي، الامن الانتخابي.. الخ.
للاسف لا اتوقع ان تتوفر هذه الشروط الموضوعية وغيرها في الانتخابات المقترحة. والسبب الاساسي يكمن في طبيعة الطبقة السياسية الحاكمة والمتنفذة في النظام السياسي الحالي. اتفق مع بلاسخارت في قولها: "إن النظام السياسي ومنظومة الحكم في العراق يتجاهلان احتياجات الشعب العراقي، أو حتى أسوأ من ذلك، يعمل بنشاط ضدها." بل انني اذهب الى ابعد من ذلك واقول ان قادة هذا النظام غير مؤهلين لبناء دولة حضارية حديثة قادرة على كسب ثقة العراقيين واسعادهم. واقبل قولها: "لقد فقد العديد من العراقيين الثقة في قدرة الطبقة السياسية في العراق على العمل لصالح البلد وشعبه." والا فماذا نسمي فشل القادة بتشكيل حكومة جديدة بعد سنة من اجراء الانتخابات؟ وكيف عجزوا من قبل عن حل مشكلات العراق الاساسية مثل مشكلة الفساد، والبطالة، والفقر، والاقتصاد الريعي، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، والكهرباء، والماء الصالح للشرب، وتردي مستوى التعليم، والخدمات الصحية، والانفلات الامني، وانحراف التجربة الديمقراطية وغير ذلك؟
لم يعد الامر مسألة انتخابات مبكرة، او تشكيل حكومة توافقية او اغلبية وطنية، أو وظائف حكومية لجيش العاطلين من الجنسين، او مساعدات نقدية او عينية للفقراء. انما هي قضية نظام سياسي مشوه، يعاني من عيوب تأسيس قاتلة، واختلالات بنيوية في جسم النظام. والحلول ينبغي ان تكون بمستوى طبيعة المشكلة او الازمة التي يعاني منها العراق.
اضف تعليق