أحد أسباب سلطان المصداقية على الناس، لحقبة معينة، شعورهم بأنهم محرومون ومستبعدون من سلطة، فيتهافتون على الوعود من سياسي يسعى الى التغيير ويوهمهم بانه بطل الشعب ضد المؤسسة أو النخبة، وقد حدث ذلك مع سياسيين شعبويين في انحاء العالم اعتمدوا خطابا اسطوريا، ضد نخبة أسطورية تفضّل الأوهام على الحقائق...
قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في وقت سابق، انّ 18 ملف فساد في البلاد، لو اطّلع عليها العراقيون، لأصيبوا بأزمة قلبية، وفي صراحة سياسية، قال وزير المالية السابق علي علاوي لصحيفة الغارديان، انّ "الدولة أنفقت 120 مليار دولار على الكهرباء في خلال سبع سنوات".
الكاظمي قال أيضا، انّ "الدولة بنت مستشفيات دون التفكير في تأمين كادر، وانشأت محطات إنتاج الكهرباء بمليارات الدولارات، تعتمد على غاز طبيعي، لا ينتجه العراق، والموظف العراقي ينجز في يوم عمل واحد، ما يمكن اتمامه في 15 دقيقة".
والصراحة في السياسة مُرّة، وتصيب الأمم بالقنوط، لكنها مطلوبة، وقد استخدمها سياسيون تأريخيون، ارادوا من خلالها إحداث صدمة في مجتمعاتهم، وتحفيزها على القيام الحضاري، وفي العصر الحاضر، فانّ المنقِذ لشعبية السياسي والمسؤول هي المصداقية والصراحة، قبل الدبلوماسية، التي عرّفها رئيس الوزراء البريطاني، ونستون تشرشل، في وقت ما، بانها القدرة على أن تطلب من الناس، الذهاب إلى الجحيم، فتقنعهم، حتى انهم يسألونك عن أفضل الطرق المؤدية إليها، بيْد ان ذلك لم يعد يصلح لعصر الديناميكيات المتذبذبة والسريعة.
والمصداقية السياسية والإقرار بالحقائق، مكّنت شعوبا من تجاوز المحن، وامتصاص الازمات، ومن ذلك ان رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، اعترف العام 2020 بان هناك احتمال في عدم القدرة على انتاج لقاح يشفي من كورونا الى الابد، وعلى الشعب التكيّف مع ذلك.
في العام 2016، واجه الناخبون الأميركيون معضلة كشف المصداقية بين مرشحي الرئاسة، وحين فاز ترمب على هيلاري كلنتون، لم يتكرر الفوز له أمام جو بايدن، بعدما نشرت الصحف أكثر من 13000 ادعاءً كاذبا أو مضللا له منذ توليه منصبه.
التجارب تكشف عن ان الديماغوجيين الكاذبين، ربما ينجحون لفترة في الفوز، لكنهم سوف يخسرون الجماهير في النهاية، وليس أنفع من وضع الحقائق أمام الشعب.
أحد أسباب سلطان المصداقية على الناس، لحقبة معينة، شعورهم بأنهم محرومون ومستبعدون من سلطة، فيتهافتون على الوعود من سياسي يسعى الى التغيير ويوهمهم بانه بطل "الشعب" ضد "المؤسسة" أو "النخبة"، وقد حدث ذلك مع سياسيين شعبويين في انحاء العالم اعتمدوا خطابا اسطوريا، ضد نخبة أسطورية تفضّل الأوهام على الحقائق.
وأفضل طريق لتجنّب حجب الحقائق عن الناس، وإبعاد الخطاب الدهمائي عن التأثير، هو استعادة الثقة في نظام سياسي لا يجمّل السلبيات، ولا يخاف من افتضاح أوجه الفشل والتقصير، الصراحة والمصداقية، هي صفات السياسي القوي، الذي يتخذ منها علامة (تجارية) له، لو صحّ التعبير.
اضف تعليق