من بين اسوأ ما تميز به المشهد السياسي العراقي بعد العام 2003 هو غياب الواقعية في التعامل مع المشكلات.. والواقعية هنا لا تعني التعاطي مع المشكلة ميدانيا او داخل بيئتها الاجتماعية، بل بمعرفة خلفيتها وفيما اذا كانت افرازا لمرض يجب معالجته من جذوره وليس التعامل مع اعراضه...
من بين اسوأ ما تميز به المشهد السياسي العراقي بعد العام 2003 هو غياب الواقعية في التعامل مع المشكلات.. والواقعية هنا لا تعني التعاطي مع المشكلة ميدانيا او داخل بيئتها الاجتماعية، بل بمعرفة خلفيتها وفيما اذا كانت افرازا لمرض يجب معالجته من جذوره وليس التعامل مع اعراضه.
لقد تجاهل اغلب صنّاع القرار السياسي بعد 2003 جوهر الخلاف بشأن قضايا ادارة الدولة، وبدلا من البحث عن ارضية واقعية مشتركة تستوعب هذا الخلاف وتذيبه، ارتكن هؤلاء الى قناعات عقائدية يرفعونها شعارا كالعادة او اثارة مشاكل ماضوية ليجعلوا منها منطلقا للتعامل مع قضايا راهنة، ليجدوا انفسهم فيما بعد امام اشكاليات معقدة دفع ثمنها الشعب وحده لعجزهم عن حلها...
لا ينفرد العراق بين دول العالم في كونه متعددا ثقافيا، لكن دول العالم اتخذت مبدأ المواطنة وسيلة لتفعيل هذا التعدد وجعله اداة قوة وليس ضعفا.. فلو استعرضنا سلسلة الاحداث التي شهدها العراق وتداعياتها الأمنية والاقتصادية والسياسية لوقفنا على فجيعة كبرى عمل هؤلاء على صناعتها عن سبق اصرار وترصد، وما نعيشه اليوم لم يكن وليد ازمة نتائج الانتخابات او كيفية التعاطي مع القوانين التي تتشكل بموجبها الحكومة فقط، بل هو معطى لتراكم طويل من الاخطاء وغياب الواقعية في التعامل مع المشاكل السياسية.
المؤكد ان هؤلاء لا يريدون الاعتراف ان سياسة الاقصاء والمحاصصة لم تنتج الاّ الخراب واشغال جهد الدولة واموالها في امور كان من الممكن تجاوزها، وان ثقافة الاستحواذ على المال والسلطة التي تأصلت في نفوسهم واعتقادهم بانهم باتوا اصحاب حق مكتسب يميزهم عن الشعب، تعد احد ابرز المشكلات التي وقفت بوجه تشكيل حكومة تتناسب مع نتائج الانتخابات الاخيرة وتعكس ارادة الناس وتطلعاتهم بعد عقدين من الجدب والقحط وغياب الدولة.
شعب خرج قبل نحو ثلاث سنين الى الشوارع في ثورة شعبية عارمة رفضا للإقصاء والنهب المنظم للثروات واستباحة كرامة بلاده فجوبه بالرصاص تحت غطاء نظرية المؤامرة، وسقطت الحكومة تحت ضغط الثورة التي كان من مخرجاتها تشكيل حكومة مؤقته وانتخابات مبكرة، ما يعني ان واقعا جديدا قد تحقق وان ثوب الماضي قد تهرّأ ولابد من استبداله.
لكن هؤلاء مازالوا يعتقدون انه الثوب الذي يجب ان يتجدد مع الزمن وهو الاجمل الذي لا ينبغي للعراق ان يرتدي غيره! وبفعل هذا الانسداد الحياتي قبل السياسي الذي صنعوه بأيديهم، وصلنا الى ما وصلنا اليه فصرخ الشعب مرة اخرى؛ كفى ولابد من التغيير، لكن هؤلاء مازالوا ايضا يصرون على العودة بالعراق الى ما قبل ثورة تشرين وكإنها مجرد كابوس راودهم لبعض الوقت وصحوا منه ثم نسوه، اي ان شيئا لم يتغير وان اصحاب (الحق المكتسب) هؤلاء لا ينبغي ان يغادروا اماكنهم او يبتعدوا عنها قليلا لان هذا من خطوطهم الحمر! والاغرب انهم يستخدمون مصالح الشعب شعارات لتسويق انفسهم واعادة انتاج المشهد المتهرئ من جديد.. لا ندري لأي مدرسة سياسية ينتمي هؤلاء وأي ثقافة يحملون؟!
اضف تعليق