q
ما الذي تعلمته سلطتنا من درس هذا الرجل العظيم، فلا أوضح من درسه، ولا أشد ألما من مصابه، ولا أكثر تغربا من عياله، أظن انها لم تتعلم شيئا، ولو كانت تعلمت لما وصلت حال الأمة الى هذا الواقع الشنيع، بينما هي خير امة اخرجت للناس...

ونحن في أيام ثورة الاصلاح الكبرى، ثورة الامام الحسين عليه السلام التي يحيي ذكراها جميع الاحرار في العالم لاستلهام قيم البطولة والثبات على المبادئ ومقارعة الفاسدين مهما اشتدت سطوتهم وتعالت سلطتهم وكبرت جيوشهم. ومع ان الحسين يدرك تماما انه سيستشهد لا محالة في معركة غير متكافئة مع اخوته وأبنائه وأصحابه، لكنه لم يتردد لحظة في تسمية رأس هرم الفساد يزيد بن معاوية، رافضا مبايعته صراحة ودون وجل، فلا تقاس الأمور عنده بما هو مادي، بل بما هو روحي، فما يجري صراع بين القيم التي أراد لها الله تعالى السيادة في الأرض مقابل الرذيلة والظلم والفساد، وان إصلاح الامة غاية الهية تستحق التضحية ولا أغلى من النفس، لذلك انتصر الدم على السيف، فلم يهنأ الحسين بالحياة كما استمتع بها يزيد، لكنه تخلد وصار قامة سامقة، ترنو لها الأبصار من أطراف الدنيا، وتقصد ضريحه الملايين مشيا على الأقدام، وتتخافق الأكف على الصدور، وتزدحم المآقي بالدموع، بينما لا يعرف ليزيد أثرا .

والسؤال الذي يتردد على الألسن دائما: ما الذي تعلمته سلطتنا من درس هذا الرجل العظيم، فلا أوضح من درسه، ولا أشد ألما من مصابه، ولا أكثر تغربا من عياله، أظن انها لم تتعلم شيئا، ولو كانت تعلمت لما وصلت حال الأمة الى هذا الواقع الشنيع، بينما هي خير امة اخرجت للناس. ما زلت واثقا وعلى يقين لا يدانيه شك أبدا ان الامة ستسترجع مكانتها، وسترتفع رايتها، مهما استطال البلاء. لأن عمر الفساد قصير، وحبل صبرها متين، ومن لا يتوقف أمام هذه الحقيقة ليس سوى يزيد، وبئس النعوت.

واذا كان امامنا قد سمّى الفاسدين بأبهى صور الشجاعة، فما زلنا لم نسم بالرغم من ان الفساد يتحدث به كبار القوم وصغارهم، وطالما الأمر كذلك، فلا تتوقعوا للفساد انتهاء وللبلاد ارتقاء وللناس هناء، واذا كنا لم نسمع من الكبار تسمية الفاسدين بأسمائهم، فالعذر مقبول لبسطاء القوم ان تحسبوا في ذلك.

لا أرى في إلقاء تهمة الفساد على جميع أهل السلطة بالفعل الصحيح، فمن غير المعقول أن يكون جميعهم فاسدين، وليس بينهم من يخاف الله، وفي ثنايا صدره ضمير وطني، ويسعى لإطعام عياله من الخبز الحلال، العقل يقول: ان في الساحة من هم بهذه الأوصاف وان كانوا أقل القليل، وبوجودهم نرتكب جرم كبير بمساواتهم مع سراق قوت الأيتام والثكالى والفقراء والحالمين بوطن معافى، ولا نريد لأنفسنا أن نكون من الظالمين.

ومع ذلك لم تطرق أسماعنا من هذه القلة من طالب بعدم التعميم وتسمية الفاسدين لينأوا بأنفسهم عن شبه الفساد، كما لم تقم جهاتنا المسؤولة باستدعاء السياسيين الذين يعترفون علانية في وسائل الاعلام بأن طبقتهم فاسدة، وانهم تلقوا رشى او استغلوا الوظيفة العامة لمصالح شخصية، كما لم تستدع رؤساء الحكومات الذين أعلنوا في برامجهم المزعومة التصدي للفساد لسؤالهم عن القطاعات التي يكثر فيها السراق، ولا ندري ماذا فعلت للذين نهبوا أموال الشعب وفروا الى خارج البلاد وفيهم الرؤساء والوزراء والمدراء.

أرجو ألا يجري ايهامنا بعدد دعاوى الفساد التي ليس فيها سوى الذيول وليس الرؤوس، ومع ان لا فرق بين فساد كبير وآخر صغير، ولكن لا قضاء على هذه الظاهرة الا بمطاردة الرؤوس الكبيرة، فمن هم؟ ليس بمقدور البسطاء رفع دعاوى ضد من يشتبهون بهم، وان رفعوا أسمائهم وصورهم في زحمة التظاهرات، تحسبا من نفوذهم وخوفا من أدواتهم، ومن أين للبسطاء الأدلة بالرغم من ان رائحة الفساد تزكم الانوف في مؤسساتنا من أعلاها لأسفلها. بل حتى الاعلام الذي يملأ الفضاء ضجيجا ينأى بنفسه عن تسمية الفاسدين، لا تصريحا ولا تلميحا، نتطلع الى من لا تأخذه في الحق لومة لائم.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق