q

ينبغي عليه ان يضربَ الفاسدين بيدٍ من حديد، كما أوصتهُ بذلك المرجعية الدينية العليا تحقيقاً لرغبةِ الشعب، ولا يتحقّق ذلك الّا بشرطين؛

الاوّل؛ انْ يتسلّحَ بالرؤية الوطنية الصلبة، فيواجه الفاسد بغضّ النّظر عن خلفيّاته وبكلّ اشكالِها.

الثاني؛ وهذا لا يثبُت للعيان ما لم يبدأ بالأقربِ فالأقربِ اليه.

فهو لو ضربَ كلّ العراقيّين بيدٍ من حديدٍ وترك المقرّبين اليه، حزبياً مثلاً، فانّ ذلك لا يُثبِت لنا رؤيتهُ الوطنيّة ابداً، كما لا يُثبت لنا به حرصهُ على وحزمهُ في مشروعهِ الاصلاحي ابداً.

لحدّ هذه اللّحظة فانّ ما فعلهُ السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي صحيحٌ جداً ويصبُّ في خانة الاصلاحِ الشّامل الّذي عبّر عنهُ الشارع وامضاه الخطاب المرجعي الاخير.

ولكنّه يبقى دُونَ مستوى الطّموح الّذي يتطلّع اليه العراقيون بعد (١٣) عاماً من التغيير، ما لَمْ يتّخذ الخطوة الاهم والاصح في ملفٍّ الحرب على الفساد وانجاز الاصلاحِ، والتي طالما انتظرها الشّارع بفارغِ الصّبر، واقصد بها تقديم الحيتان الكبيرة من الفاسدين للقضاء لينالوا الجزاء العادل، وليطمئنَّ العراقيّون الى انّهُ ليسَ في نيّة أحدٍ التّسويف او إِفراغ مطاليب الشعب والمرجعية من محتواها الحقيقة وجوهرها العميق، من خلال تهميشها او إطلاق الشّعارات فقط او التّلاعب بالالفاظ وتوظيف عامل الزّمن والانحناء امام العاصفة لتمرّ عليهم بسلامٍ، ثم يُعيدوا الكرّة مرَّةً أُخرى.

انّها الخطوة الاهم التي سيلمِسُ فيها العراقيون جدّيّة السيد العبادي في مشروعه الاصلاحي الحكومي الاستراتيجي.

فاذا بادر بالطّلب من سلفهِ، تحديداً، المثول امام القضاء فسيدخل التاريخ من أوسع ابوابهِ وسيُثبت انّه مشروع وطن ودولة وليس مشروع حزب، مشروع مستقبل وليس مشروع ماضي، مشروع شعب وليس مشروع نخبة.

لماذا سلفهُ تحديداً؟ وهل يُمكن تحقيقُ ذلك؟!.

اولاً؛ عادةً ما يُثبت المرء جدّيّتهُ في أمٍر ما بدأَ بنفسهِ وبأقرب النّاس اليه.

فهذا نبي الله موسى عليه السلام {أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}.

ورسولُ الله (ص) اصطحب أَهْلَ بَيْتِهِ عليهم السلام للمباهلة قائلاً {تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}.

وهوَ القائلُ (ص) {لو انَّ فاطمةَ بنتَ مُحَمَّدٍ سرقت لقطعتُ يدَها} فلماذا فاطمة سلام الله عليها تحديداً؟!.

ذاتُ الشّيء قالهُ أَميرُ المؤمنين عليه السلام، عندما هدّدَ احد قوّادهِ الفاسدين بإنزال اشّد العقوبة بحقّه {وَ وَاللهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فعَلاَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ، مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ، وَلاَ ظَفِرَا مِنِّي بَإِرَادَة، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا، وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا}.

امّا سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام فلقد خاطبَ القوم بقوله {نفسي مَعَ أَنفسِكم وأهلي مَعَ أهليكم}.

انّ من السّهل جداً ان يطلبَ العبادي من كلّ السياسيّين المثول امام القضاء، فليسَ في الامر شجاعةً، مثلاً او حزماً، وانّما يثبُتُ حزمهُ وصدقهُ وحرصهُ ووطنيّتهُ وإخلاصه لمشروعه الاصلاحي وللشعب وللمرجعيّة، اذا طلبَ من سلفهِ المثول امام القضاء.

ثانياً؛ انّ الموما اليه من أكثر المسؤولين الّذين تحومُ حولهُ الشّبهات، ولذلك يطالب الشارع الان بمثوله امام القضاء.

وَلَيْسَ أمامنا الّا ان نَحتَكِمَ جميعاً الى القضاء لنتثبّتَ من هذه الشبهات والتُّهم، فالقاعدة تقول [المتّهم بريء حتّى تثبُت ادانتهُ]

ولذلك يلزم تحقيق هذا المطلب الشّعبي العام، فان ثبُتَت عليه التهم فلينالَ جزاءهُ العادل كأيِّ مواطن آخر يدينهُ القضاء، وان كانت باطلة ولا أساسَ لها من الصحة وثبُتَ لنا انّها كيديّة، فمن اجلِ ان نُلقِمَ المتقوّلين والمتربّصينَ حجراً ونُدافع عنِ الحقيقةِ بكلِّ قوة، ونُغلقَ باب الشّائعات الى الأبد، فلا نَظلِمَ الرّجل!.

ومن خلال متابعتِنا للسّنوات الثمان التي قضاها الموما اليه في السّلطة ، يمكنُنا التأكيد بانُّه يثقُ بالقضاء العراقي بشكلٍ مطلق، فلم نسمع مِنْهُ يوماً انّهُ اشتكى من انحيازهِ او تسييسهِ أبداً!.

هذا من جانب، ومن جانبٍ اخر، فانّه زعيم (دولة القانون) أفليسَ من الاولى به ان يكونَ اشدّ النَّاسِ حرصاً على تحقيق العدل من خلال القضاء؟ وعلى الالتزام بدعمِ القانون وتكريس قاعدة (القانون فوق الجميع).

وهو، بالتّاكيد، واثقٌ من نفسهِ! فلماذا يتردّد او يخشى المثول امامَ القضاء؟.

اوَلَمْ يتلفّع بالهوية (الشيعية)؟ فلماذا لم ينفذ وصية امير المؤمنين عليه السلام عندما كتب في عهده الى مالك الأشتر عندما ولّاه مصر {وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً، فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ، وَاعْدِلْ عَنكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ، وَرِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ، وَإِعْذَاراً تَبْلُغُ فِيه حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ}؟! فما فائدةُ الانتماءِ، اذن؟ امْ انّهُ تجارةٌ رابحةٌ؟!.

لقد فعلها من قَبْلُ رسول الله (ص) عندما عرضَ نَفْسَهُ للقَصاص في تلك القصّة المعروفة، كما وقف من قَبْلُ الامام امير المؤمنين عليه السلام امامَ القاضي ليترافعَ عندهُ مع اليهودي الّذي اشتكى عليه! بل انّهُ (ع) غضِبَ على القاضي عندما سمّى خصمهُ وكنّاه! فأين المشكلةُ، اذن؟!.

كما ان ّزعماء كثيرون في البلدان الديمقراطية مثلوا امام القضاء، بعد ان تَرَكُوا السلطة!.

كذلك، فانّ مثوله امام القضاء فرصة ثمينة بالنسبة له لتقديم كلّ الملفّات التي ظلّ يحتفظ بها ضِدّ خصومهِ، وبذلك سيُساهم هو كذلك في إنجاز المطلب الاستراتيجي الهام الذي تقدّمت به المرجعية الدينية العليا عندما دعت الى فتح ملفّات الفساد في الفترات الماضية!.

انّ مبادرة العبادي للطّلبِ مِنْهُ بالمثول امام القضاء سينهي جدلاً واسعاً اثارهُ الموما اليه خلال فترة حكمهِ، وسيقدّم نموذجاً جديداً للقيم والمبادئ التي يؤمن بها من استصحبَ الهويّة والتاريخ والرمزيّة [الشيعيّة].

صحيح انّ مثل هذه المبادرة من السيد العبادي صعبة جداً وخطيرة، وفيه الكثير من الاحراج، اذْ لم يحصل ان طلب الناطق الرسمي باسم الحزب الحاكم من امينهِ العام المثول امام القضاء، ولم يحصل انّ عضواً في كتلةٍ انتخابيّةٍ يطلب من زعيمها المثول امام القضاء، ولكن، في نفس الوقت فهي سهلةٌ جداً إزاء مصير الوطن، من جانب، وبحكم انّ الموما اليه لم يعد يتمتّع بايّة حصانةٍ دستوريّةٍ وقانونيّةٍ بعدَ ان جرّدتهُ الحزمة الاولى من الإصلاحات الحكوميّة التي صادق عليها البرلمان بالإجماع، من كلّ المناصب الرّسمية، فهو الان مجرد مواطن عادي ليس اكثر، فالطّلب مِنْهُ المُثول امام القضاء لا يحتاج الى الكثير من الإجراءات القانونيّة الروتينيّة!.

انّ المبادرة الى مثلِ هذه الخطوة من قبل العبادي، وبأقصى سرعة، سيُثبت بها للعدوّ قبل الصّديق انّهُ رجل دولة لا يأبه بالعلاقات الحزبيّة والخاصة التي تضرّ بالدولة، وانّه أشدُّ حزماً مما يتصوره كثيرون عندما يصفونه بالضعف امام حزبه او كتلته النيابية او ما أشبه، وانّه اهلٌ لثقةِ الشارع والمرجعية ودماء الشهداء.

كما انّ مثل هذه الخطوة الحكيمة والشّجاعة والحقيقيّة ستساعدهُ كثيراً في تجاوز المحاصصة عند تنفيذ برنامجهِ الاصلاحي، وبالتالي ستساعدهُ في انقاذ العمليّة السياسيّة برمّتها من المخاطر والمنزلقات الحاليّة.

اذا فعلها فسيسهل عليه جرَّ الحيتان الاخرى للمثول امام القضاء تحقيقاً للعدل ولمطالب الشّعب والمرجعيّة.

انّ الإصلاحات الحكومية مدعومة بالشارع وبالمرجعية، بالاضافة الى مجلس النواب الذي صادق عليها بالإجماع من دون ان يتخلّفَ احدٌ عن دعمها وتأييدها، ولذلك فانّ الكرة الان في ملعب العبادي، اذا أحسنَ التصرّف بشجاعةٍ وحكمةٍ فسيدخل التاريخ من أوسعِ أبوابهِ، وسيُعيدُ ثقةَ العراقيّين بنظامِهم السّياسي الديمقراطي الجديد.

سيقولُ المرجِفون والمصلحيّون وأبواقُ السّلطانِ وعبدةُ الْعِجْلِ والمستفيدون، انّ مثلَ هذه الخطوة تشكّل عاراً! ولكن؛ أوليسَ العارُ أولى من دخولِ النّارِ؟!.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق