أكاد اشبه مايحصل في بعض دوائر الدولة عند تسليمهم رواتب الموظفين بالعملات التالفة بهذا المثل الشائع " هاك.. لا هناك" فماذنب هؤلاء ان يستلموا جزءا من رواتبهم بعملات ممزقة وتالفة ولايمكن تداولها في الأسواق، ومن يطلع عليها يولي فرارا.. سبق ان كتبت مقالا ونشر على صفحات هذه الجريدة بعنوان "اتلاف التالف" تناولنا فيه ظاهرة سلبية تؤثر في حركة النقد في العراق الا وهي كثرة العملات التالفة والمتداولة في الأسواق.
واقترحنا سحبها من قبل البنك المركزي العراقي المسؤول عن السياسة النقدية في العراق وتداول العملات، فتلك التوالف يمكن استبدالها بنقد جديد، واشرنا حينها الى ان العملات التالفة مرفوضة ولا يستقبلها الباعة أضافة الى كونها واحدة من الرموز السيادية مثلها مثل العلم والنشيد الوطني لا بد ان تظهر بالمظهر اللائق.
وفعلا قام البنك المركزي بضخ عملات جديدة من فئات (1000-500-250) دينار كان لها الأثر الإيجابي في السوق وتجديد العملات، إضافة الى رغبة المواطن باقتنائها والتعامل بها، الا ان ظاهرة أخرى برزت وهي تسليم موظفي الدولة عملات تالفة وممزقة ومتهرئة كجزء من الراتب الشهري، والطلب منهم بعدم الاعتراض وكأن رواتب الموظفين ((عطية)) و((مكرمة)) دون مقابل، مايثير الاستغراب والتساؤل، هل ان كبار المسؤولين يتسلمون رواتبهم بمثل هذه العملات ؟.. وهل ان هذه العملات تصرف من البنك المركزي فعلا ام هناك قضية أخرى وراءها..
المعلومات تشير الى ان هناك فوارق في السعر وان هناك عمولة وراء استلام هذه العملات تقدر بـ(30) الف دينار عن كل مليون، وهذه المبالغ غير المنظورة قد تصل الى ثلاثة ملايين دينار شهريا في بعض الوزارات التي تمتاز بكادر وظيفي عال، وهي بذلك تدخل في باب الفساد المالي والإداري.. ولهذه الظاهرة مردودات سلبية على المواطنين من ذوي الدخل المحدود حصرا، فهؤلاء يحسبون الراتب دينارا دينارا، وايه عملات تالفة قد تؤثر بشكل مباشر في ميزانية الاسرة، مع معاناة تصريفها وتداولها مقابل تردد الباعة في قبولها كما اشرنا.
مطلوب من البنك المركزي العراقي سحب هذه العملات من التداول وتشديد جهازه الرقابي على متابعة هذه الحالات ومحاسبة المصارف التي تصرف تلك العملات كرواتب لموظفي الدولة.. والاعمام على المؤسسات الرسمية بعدم استلامها، بل على البنك المركزي فتح نافذة لاستلام العملات التالفة والممزقة والمتهرئة، حيث يمكن ان تصبح هذه النافذة مرشحة "فلتر" لبقاء العملات متجددة ومقبولة ومحط احترام المواطن.
ان القيمة الاعتبارية للعملات العراقية تفوق أحيانا قيمتها الشرائية لذلك لابد ان تعمل المؤسسة المعنية بالموضوع على زيادة اعتزاز المواطن بها ورفع المعاناة عند تداولها وتجنب الاستهانة بها. هذا اذا علمنا ان العملات من الفئات الصغيرة هي التي تتعرض للتلف لكثرة التداول، وانها قُوت الفقراء، ومصدر غذائهم وحاجاتهم الاساسية، ولا احد من الطبقات الاجتماعية المترفة يتعامل بها، لذلك يصبح لزاما عليها مراعاة مصدر قُوت هذه الطبقات وإعادة الكرامة للعملات العراقية.
اضف تعليق