اقيم مؤتمر صحفي لوداع رئيس اركان الجيش الامريكي، المنتهية ولايته، الجنرال "ريموند أودييرنو"، وفي هذا المؤتمر اشار الجنرال المتقاعد الى ان "الحل الوحيد" لاستقرار العراق يكمن في "تقسيمه"، بعد ان اكلت الطائفية والخلافات السياسية، اي فرصة للمصالحة الوطنية، التي يرى، أودييرنو، (الذي خدم في العراق وشغل ارفع منصب عسكري امريكي فيه)، بانها اصبحت "أكثر فأكثر صعوبة يوما تلو الآخر".
بالنسبة لتوقعات، أودييرنو، الذي ليس له شأن بالسياسية، وانما طرح وجهة نظرة لمستقبل العراق من واقع جديد، بعد عام 2003، يعتقد بانه "لن يشبه ما كان عليه في السابق"، فان التقسيم سيكون بين الشيعة والسنة والاكراد، وقد ترك كيفية احداث التقسيم الى "الشخصيات السياسية والدبلوماسيين أن يروا كيف يمكن لهذا الأمر أن يجري".
طبعا وللتذكير، لم تكن هذه الدعوة من افكار "أودييرنو" الحصرية، وانما سبقة الى ذلك، نائب الرئيس الامريكي الحالي "جو بايدن"، الذي نسب اليه "مشروع تقسيم العراق" الى ثلاث دول او فدراليات، ايضا شيعية وسنية وكردية، وقد فصل فيها تقسيم المناطق والنسب السكانية وغيرها، الا ان موجه من الاحتجاجات والرفض الشعبي والحكومي، جعلته يعزف عنها او يغض الطرف عن تفعيلها.
كما ان الدعوة الى "التقسيم" لم تكن حكرا على "بايدن" ايضا، خصوصا في منطقة الشرق الاوسط، فقد وضعت العديد من "السيناريوهات التقسيمية" الى سوريا وليبيا واليمن ولبنان... وهي دعوات اخذت على محمل الجد، بل وان بعضها تم فعلا، (فكيف تصف الحال في سوريا مثلا، او النزاع بين حكومتين وبرلمانين في ليبيا، اضافة الى تقاسم السلطة في اليمن بين هادي وانصار الله)، وان لم يكن بطرق رسمية او دستورية، وانما بسبب ما افرزته الحروب والصراعات المسلحة بعد تجربة "الربيع العربي".
الاهم من كل هذا... عندما يرتبط "التقسيم" بتنظيم "داعش"، الذي دعا الى "تكسير" الحدود بين دول "الخلافة" المزمع انشائها على مختلف قارات العالم، انطلاقا من "العراق" و"سوريا"... وقد احتفل التنظيم، بعد سيطرته على الموصل، بردم الحدود الفاصلة بينها وبين ولاية "الرقة" او "عاصمة الخلافة" كما يسميها انصار داعش، وهو امر غريب فعلا، فعندما يتناغم الفكر "الامريكي" مع الفكر "المتطرف" لتنظيم داعش في نفس الدعوة نحو التقسيم، تبرز الكثير من التساؤلات المقلقة؟.
الامر الاكثر غرابة وحيره... هو توقيت هذه الدعوة، فالشعب العراقي خرج بمظاهرات (وما زال) تحاول مكافحة الفساد المالي والاداري المزمن في الدولة ومؤسساتها، وقد اثمرت، وهي في بداياتها، بحزمة من القرارات الاصلاحية الاولى، التي صدرت من مجلس الوزراء والبرامان، ووافق عليها مجلس النواب العراقي، بالإجماع، في جلسة لم تستغرق اشهر او اسابيع او ايام... بل دقائق معدودة، وهي سابقة تحسب للمتظاهرين وليس للساسة.
اذا كان التقسيم هو الحل... فلماذا لم يخرج الشعب للمطالبة بالانفصال بدلا من طلب الاصلاح في الحكومة المركزية والحكومات المحلية؟.
واذا كان الحل، فعلا، في الانفصال فلماذا لم ينفصل اهالي الجنوب او الغرب ايام الاحتقان الطائفي (عام 2006 وما تلاها)، وهو الوقت الانسب بحسب رأي أودييرنو عند حديثة عن الخلاف الطائفي؟.
لا يمكن تصور العراق... سوى بلد واحد من شماله الى جنوبه، والعراقيون ابعد ما يمكن عن التقسيم، وهذا ما اثبتته التجربة السابقة والحالية وما سياتي، سيما وان خلافات حادة تثار لمجرد الحديث عن امكانية تطبيق "الاقاليم" بين مواطني المنطقة الواحدة، لمحافظة ما، فكيف يمكن تطبيق هذه الدعوة، واي تضحيات ستقدم لتنفيذ "التقسيم" على المستوى الجغرافي والسياسي والسكاني والاقتصادي...الخ.
اضف تعليق