اوكرانيا اليوم تمثل نقطة انطلاق الحرب الباردة مرة اخرى وبمسمى جديد (الحرب الناعمة) وبأساليب مبتكرة مختلفة، اذ ان عمل اميركا على توسعة حلف الناتو لا تقصد من ورائه زيادة القوة العسكرية للحلف، وانما اقامة حلف ناتو اقتصادي، ان جاز التعبير، وبزعامتها، فالحرب العسكرية مع روسيا غير واردة اميركيا...
اندحار المانيا النازية واليابان ونهاية الحرب العالمية الثانية العام 1945 كان بداية لافتراق حلفاء الامس، الاميركان والسوفييت والبريطانيين، الذين جمعهم همّ التخلص من عدو مشترك ليجدوا انفسهم بعده في مواجهة بعضهم البعض، والصراع الذي فرّقهم كان على المغانم والمكاسب الجيوسياسية التي تتحقق، باستقطاب اكبر عدد من الدول وبغطاء عقائدي.. تأسس حلف الناتو العام 1949 بزعامة الاميركان اعقبه تأسيس حلف وارسو بزعامة السوفييت العام 1955 ليجد العالم نفسه امام تحديات كبيرة وقتذاك.
وعلى الرغم من ان الخلاف بين الجانبين بدأ في الصراع على تشكيل حكومة بولونية العام 1947 بعد (تحريرها) من الاحتلال النازي، وانتهاء الامر بفرض ستالين حكومة شيوعية هناك، لكن الصراع الاقوى كان في العام 1949 وعلى المانيا التي اعلن المعسكر الغربي عن قيام (المانيا الاتحادية) اي المانيا (البسماركية) على كامل اراضيها وبنظام راسمالي، فكان الرد السوفييتي باعلان الشطر الشرقي منها دولة مستقلة (المانيا الديمقراطية) وبنظام شيوعي، واستمر الامر حتى العام 1989 حين قرر الالمان توحيد بلادهم من جديد.
قبل ايام قال اكثر من مسؤول روسي واميركي واوروبي، ضمنا او بشكل مباشر، ان مخرجات الحرب العالمية الثانية التي رسمت الخارطة الجيوسياسية للعالم قد انتهت، نتيجة للحرب في اوكرانيا التي لااحد يعرف كيف ستكون نهايتها، لكن جميع المتابعين يؤكدون على ان شكل العالم او الاستقطابات بعد هذه الحرب سيغير المشهد الدولي.
الحقيقة ان الحرب في اوكرانيا ليست بداية الخلاف العميق بين روسيا وحلفائها من جهة واميركا وحلفائها من جهة اخرى، وانما كانت المنطقة التي تفجّر فيها الصراع الذي كان قائما فعلا، بسبب التدافع على مناطق النفوذ في العالم .. اوكرانيا اليوم تمثل نقطة انطلاق الحرب الباردة مرة اخرى وبمسمى جديد (الحرب الناعمة) وبأساليب مبتكرة مختلفة، اذ ان عمل اميركا على توسعة حلف الناتو لا تقصد من ورائه زيادة القوة العسكرية للحلف، وانما اقامة حلف ناتو اقتصادي، ان جاز التعبير، وبزعامتها، فالحرب العسكرية مع روسيا غير واردة اميركيا ولايستطيع اي طرف ان يكون سببا في تدمير العالم، لكن الحرب هذه المرة ستكون بالاقتصاد ولعلنا دخلنا فعلا مرحلة (الحرب الناعمة) التي ستكون امتدادا للحرب الباردة.. في كلا الحالتين، كان وسيكون هناك وكلاء تتم تصفية الحسابات العسكرية على اراضيهم او يحاربون بالوكالة، لاسيما في المناطق المفصلية في لعبة الصراع الجديد القديم!
من يحسم الوضع في اوكرانيا سيحقق نصف انتصار بالتأكيد، لكن من يستثمرها في استقطاب اكبر عدد من الحلفاء (الاقتصاديين) سيحقق الانتصار الاكبر وربما يكون الحاسم مستقبلا!
اضف تعليق