مرة أخرى يتوفر لديّ دليل قاطع على أننا نحن من يورد نفسه المهالك لا سوانا. مشروع قانون الأمن الغذائي دليل مضاف على سوء تصرفنا بمواردنا وليس سرقتها من قبل المؤامرة! لقد أتاحت الفورة النفطية والاموال السهلة التي تدفقت على خزينة العراق يومياً نتيجة ارتفاع اسعار النفط لمعدلات غير مسبوقة...
مرة أخرى يتوفر لديّ دليل قاطع على أننا نحن من يورد نفسه المهالك لا سوانا. مشروع قانون (الأمن الغذائي) دليل مضاف على سوء تصرفنا بمواردنا وليس سرقتها من قبل المؤامرة! لقد أتاحت الفورة النفطية والاموال السهلة التي تدفقت على خزينة العراق يومياً نتيجة ارتفاع اسعار النفط لمعدلات غير مسبوقة يُتوقع ان تستمر على الأقل لنهاية هذه السنة، فرصة ذهبية أخرى من الفرص التي نجيد تضييعها كما حصل معنا في سنوات كثيرة سابقة.
هذه المرة تأتي هذه الأموال المتدفقة والتي تناهز نصف مليار دولار يومياً، في أعقاب أزمة اقتصادية خانقة لم ننسها بعد. كما أنها تأتي في خضم جدال شعبي ونخبوي عن الخلل الهيكلي والوظيفي الدائم في اقتصادنا الريعي والذي يحتاج الى معالجات اقتصادية سريعة قبل ان نصل مرحلة اللاعودة.
ولا تبدو الحلول التي يحتاجها الاقتصاد العراقي سحرية ولا مجهولة بحيث نعيد اكتشاف العجلة. فحتى متخذي القرار (قليلي التعليم والخبرة والدراية) الذين ابتُلي بهم العراق يستطيعون تأشيرها. اننا نحتاج الى منهج جديد يعتمد الاستثمار المكثف في القطاعات المهملة من الاقتصاد، وليس هناك فرصة افضل من التي اتاحها لنا الفائض المالي لنفعل ذلك.
نعم نحن نحتاج الى حماية الطبقات الهشة التي ازدادت فقراً بسبب السياسات الاقتصادية الرعناء لكل الحكومات (دون استثناء)، لكن السؤال هل ان تخصيص بضع مليارات لهؤلاء يكفي لتجنيبهم وتجنيب العراق أزمات اقتصادية قادمة لا محالة؟! لا أعتقد ان هناك عاقل يجادل في حاجتنا لمزيد من الاستثمار لا الاستهلاك.
مع ذلك فقد ذهب برلماننا(العتيد) باتجاه قانون، اقل ما يقال عنه انه لم يستوفِ شروط الانضاج وطُرح في معمعة تشابك وتغالب بين قوى سياسية تصطرع على تشكيل الحكومة، مما جعل القانون والنجاح في تمريره ضرورة سياسية أكثر منها اقتصادية أو اجتماعية بدليل التشوهات الكبيرة في بنود الانفاق.
وبدليل التحدي لقرار المحكمة الاتحادية التي لم يجف حبر قرارها الخاص بتكبيل يد هذه الحكومة ومنعها من الصرف واتخاذ القرارات غير الروتينية. والطريف ان تحدي البرلمان لقرار المحكمة الاتحادية جاء في غمرة جدل ونقاش كبير حول حرية الرأي في نقد الجهاز القضائي.
ولا ادري ما هو اكثر تحدياً او طعناً بالجهاز القضائي، هل هو نقد بعض الناشطين والصحفيين واصحاب الرأي أم إصدار البرلمان لقانون يعارض قرار المحكمة الاتحادية بعد ايام من إصدارها لقرار تكبيل يد الحكومة؟!
عموماً لست في صدد تقويم التبعات القانونية لهذا القانون لكني اريد التركيز على النقطة التي بدأت بها مقالي فأسأل: هل سمعتم ان السفارة الامريكية او الايرانية او السعودية او التركية هي التي كتبت مسودة القانون؟! أم رأيتم مندوب الموساد أو إطلاعات أو السي آي أي يتجولون في اروقة البرلمان حاثين أعضاءه على هدر أموال العراق وسرقتها؟! أن من يبدد (ولا اريد استخدام تعبير آخر) الاموال هو نحن، أو الأصح من يفترض بهم تمثيل الشعب العراقي.
إنه سوء تخطيطنا، وقلة تدبيرنا، وفسادنا، وتسابقنا على السلطة، وتجاهلنا لحاجات الشعب المسكين هي التي جعلتنا نبدد ما يناهز من الترليون دولار من مداخيلنا سابقاً. أنه ذات الثقب الأسود الذي ضاعت فيه أموالنا سابقاً سيبتلع عشرات بل مئات المليارات التي يمكن ان تدخل خزائننا خلال الاشهر المقبلة. إنها المهاترة لا المؤامرة، والفساد لا حسد العباد، وسوء التقدير لا مؤامرة التدمير هي من تبقي علينا متخلفين. ها هي الأموال أمامكم والتخلف من ورائكم فأرونا ماذا أنتم فاعلون.
اضف تعليق