كان مفهوم المالية العامة حتى منتصف القرن التاسع عشر، يعني أنهُ العلم الذي يتناول البحث عن نفقات الدولة وإيراداتها، إي تحليل الحاجات العامة والوسائل التي يتم بها إشباع هذه الحاجات.
والحاجات العامة هي حاجات جماعية Besoins Collectif يقتضي إشباعها بصورة جماعية بالنسبة لجميع أفراد المجتمع. وتتميز الكثرة الغالبة منها بعدم قابليتها على الانقسام (التجزئة Indivisible ) والتي يدخل إشباعها في نطاق دور الدولة التقليدي، أي في نطاق فكرة المرافق العامة وهي بصفة أساسية الدفاع والأمن والعدالة. وهذه الحاجات تختلف كمًا ونوعًا من بلد لآخر، لأن الأساس الذي تستند إليه الدولة في تحديد الحاجات العامة الحاضرة منها والمستقبلية هو المنفعة العامة.
أما مفهوم علم المالية العامة حديثًا، فهو العلم الذي يتناول البحث عن كل ما يتعلق بنشاط القطاع العام، وهو ذو صلة وثيقة بالنظرية الاقتصادية. وقد تأثرت المالية العامة كثيرا بالفكر الاقتصادي الحديث الذي ينبع من نظرية كينز العامة للعمالة والفائدة والنقود، إذ أصبح باستطاعة الدولة أن تكيف مستويات الأنفاق العام والإيرادات العامة لتعجيل عملية التنمية الاقتصادية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية ورفع مستوى المعيشة.
ولكن في مرحلة الدولة المعاصرة عرفت المالية العامة تطورًا أكبر خلال النصف الثاني من القرن العشرين، بسبب تعددها نظرًا إلى أهمية وطبيعة الإيرادات والنفقات العامة التي تختلف من دولة متقدمة إلى دولة أخرى في طور النمو، ولقد استحدثت المالية المعاصرة من قبل الأنظمة البرلمانية في مختلف الدول، وبالخصوص الدول الأوربية منها عقب انهيار الحكم الملكي.
وعلى هذا الأساس فأن أهمية علم المالية العامة لم يعد مجرد دراسة لجباية الأموال وإنفاقها في الأغراض العامة، بل يتناول بالبحث تكييف مستويات الأنفاق العام والإيرادات العامة للوقوف على النشاط الاقتصادي القومي ومراقبتهِ وما يُستتبع ذلك من أثار اقتصادية.
ــــ العناصر المؤلفة للمالية العامة:
عند دراسة المالية العامة يجب أن نتناول أربعة موضوعات رئيسية وهي:ـ
1 ـــ الحاجات العامة Public Needs:
تنشأ هذه الحاجات مع وجود الإنسان ووجود المجتمع والذي يتطلب من كل فرد بضرورة إشباع تلك الحاجة سواء كانت فردية كالحاجة إلى المأكل والملبس والسكن، أو سواء كانت جماعية مثل شعور أفراد المجتمع جميعهم بالحاجة إلى حماية أنفسهم وأموالهم وأسرهم، وأيضا حاجتهم إلى حماية بلدهم من الاعتداء الأجنبي، وحاجتهم إلى القضاء للفصل في منازعاتهم، وحاجتهم إلى مستلزمات العيش... الخ.
2 ــ النفقات العامة Public Expenditure:
وهي عبارة عن مبلغ من النقود تستخدمه الدولة أو أي شخص من أشخاص القانون العام في سبيل تحقيق المنفعة العامة. والدولة تقوم بقدر من النفقات العامة سواء كان ذلك لإنتاج سلع وخدمات أو من خلال توزيع دخول تحويلية داخلية أو خارجية في سبيل مواجهة إشباع الحاجات العامة، لتحقيق أهداف اجتماعية أو اقتصادية كمساعدة الأسر محدودة الدخل بقصد تصحيح ما يقع من اختلال في توزيع الدخل أو من خلال الإعانات التي تقدم بصورة مباشرة أو غير مباشرة للأفراد أو بعض وحدات الاقتصاد الخاص.
3 ــ الإيرادات العامة Public Revenue:
لكي تقوم الدولة بالنفقات العامة يلزمها تدبير الموارد المالية اللازمة لتغطيتها وتحصل على هذه الإيرادات أساسًا من الدخل القومي في حدود ما تسمح به المالية القومية أو من الخارج عند عدم كفاية هذه الطاقة لمواجهة متطلبات الإنفاق العام، ولقد تعددت أنواع الإيرادات العامة إلا أن الجانب الأعظم منها يستمد من ثلاثة مصادر أساسية هي على التوالي إيرادات الدولة من أملاكها العامة والخاصة ومشروعاتها الاقتصادية بالإضافة إلى ما تحصل عليه من رسوم نظير تقديم الخدمات العامة ثم تأتي بعد ذلك الإيرادات السيادية وفي مقدمتها الضرائب أما المصدر الثالث فهو الائتمان ويمثل القروض المحلية والخارجية.
4 ــ الميزانية العامة Public Budget:
وهي عبارة عن تنظيم مالي يقابل بين النوعين السابقين ويحدد العلاقة بينهما ويوجههما معا لتحقيق السياسة المالية، بمعنى آخر هي بمثابة البيان المالي للاقتصاد العام وعلاقته بالاقتصاد القومي ويعتبر خطة مالية تظهر بوثيقة الميزانية التي هي تقدير تفصيلي للإيرادات والنفقات لفترة مقبلة هي سنة في المعتاد تم الترخيص بها من السلطة التشريعية.
اضف تعليق