عندما اكملت تركيا استعداداتها لتأمين المنطقة الحدودية الجنوبية بينها وبين سوريا، وبالأخص في حلب، بالتعاون مع الولايات المتحدة الامريكية، اعلنت "جبهة النصرة"، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، انسحابها من تلك المناطق، وتركها الى اي فصيل مسلح يرغب بالإنابة عنها في القتال، بعد ان اصدرت بيان شرحت فيه سبب الانسحاب بالقول: "إنا في جبهة النصرة لا نرى جواز الدخول في هذا الحلف شرعا لا على جهة الانخراط في صفوفه ولا على جهة الاستعانة به بل ولا حتى التنسيق معه".
وحجتها في ذلك ان المتحالفان، (تركيا والولايات المتحدة الامريكية)، يريدان "قيادة المعركة وتوجيهها ضمن مصالحهم وأولوياتهم الخاصة" والاهم لديها ان "قرار المعركة الآن لم يكن خيارا استراتيجيا نابعا عن إرادة حرة للفصائل المقاتلة"... وبالتالي فنها (جبهة النصرة)، اثرت "الانسحاب وترك نقاط رباطنا مع الخوارج في الريف الشمالي لحلب ليتولاها أي فصيل مقاتل في هذه المناطق".
الانسحاب والبيان الذي سبق الانسحاب، لا يعطي لأغلب المتابعين سوى احد امرين، يمكن ان يؤدي احدهما الى هذا القرار...
فإما ان يكون الانسحاب، امر دبر "بوساطة" تركية او قطرية... لمنع التصعيد على اكثر من جبهة عسكرية، واخلاء الساحة لتصفية وجود "داعش" في المنطقة الحرجة بالنسبة لتركيا.
او هو الجفاء التركي مع "جبهة النصرة"، والذي تحدثت عنه تسريبات، بعد دخول "اردوغان" ساحة المعركة مع العدو الاول لتنظيم القاعدة، الولايات المتحدة الامريكية...
لكن ثمة احتمال ثالث... ركزت عليه المفاوضات السياسية المكثفة، هذه الايام، بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية، ودخلت فيه اطراف قديمة (دول الخليج)، واخرى جديدة (تركيا وايران)، في مناقشات تناولت مصير الاسد ونظامه، ومستقبل سوريا وطبيعة التحالفات.
وقد اتفق المجتمعون حول نقاط معينة، واختلفوا في اخرى، لكن الحديث الابرز، دار حول شخص الاسد، الذي يرفضه البعض، ويتمسك به البعض الاخر، ولا يمانع اطراف اخرى من التعامل معه... وهنا تتركز قضية "المصالح والاولويات الخاصة" التي تحدث عنها بيان "النصرة" والتي قد تعني تغير "مصالح" و"اولوياتها" الاخرين باتجاه من كانت تدعمهم سابقا... ربما نحو توجهات ومصالح جديدة، والحديث هنا عن تركيا وما شهدته من حوادث ارهابية قد تضطرها الى اعادة حساباتها من جديد.
طبعا "النصرة" لا تمانع من تشكيل "تحالف"، تحت اي مسمى او جهة، ما دام انه سيقوم بالتصدي لتنظيم "داعش"، ومحاولة القضاء عليه، لكن ما يثير قلق "الجبهة" ومن ورائها "القاعدة" التنظيم الام، هو من التالي؟... وهل ستتحول "الجبهة" الى هدف يضاف الى قائمة الاهداف التركية-الامريكية في المستقبل القريب؟.
بالعودة الى "بشار الاسد"، فقد حاولت اغلب الفصائل المسلحة، ومن ضمنها "جبهة النصرة"، والمدعومة من دول مختلفة (اشار اليها نائب الرئيس الامريكي "بايدن" بأسمائها في تصريح له، ثم اعتذر عن ذلك لاحقا)، اسقاط "الاسد" باي ثمن، والسبب هو فرض واقع الحال الجديد، بعد خلط الاوراق السياسية بإسقاط النظام، فموت او مقتل "الاسد" يعني بالتأكيد انهيار النظام السوري، والبديل هو قيام نظام اخر يحل محله... اما بقاء "الاسد" على رأس السلطة... فالنظام سيبقى محافظا على تماسكه تبعا لذلك.
وما دام هذا الامر بعيدا عن التحقيق في الوقت الحاضر... على ما يبدو، فان امكانية التفاعل السياسي او الامني او الدبلوماسي بين نظام الاسد والدول الرافضة لبقائه تبقى قائمة، بحسب ما تفرضه "المصالح" و"الاولويات" الخاصة لتلك الدول، وبالتالي فان امكانية "تهميش" او ايقاف الدعم للفصائل التي دعمتها الدول، في حال غيرت (تلك الدول) مواقفها بصورة علنية او سرية، تبقى قائمة ايضا.
ولعل الحراك السياسي الاخير... واللقاءات التي جمعت الفرقاء في عدة عواصم عربية وغربية، يمكن ان تعطي مؤشرات حقيقية على خطوات جديدة اكثر "ديناميكية"، قد تحل بديلا عن الخطوات القديمة التي لم تغير الواقع الموجود، بعد خمس سنوات من تجريب مختلف الوصفات.
اضف تعليق