ولأن الفرقاء السياسيين لا يستطيعون التوصّل إلى "تسويات سياسية" فيما بينهم، ويُصرّون على الحصول على كُلّ شيء، أو خسارةِ كُلّ شيء، فإنّ هذا يعني عدم القدرة على التوصّل إلى "تسويات اقتصادية"، يتم من خلالها توزيع "حُصص "الريع النفطي (الهائلة هذا العام) فيما بينهم.. وستكون مُحصّلة هذا الإنسداد السياسي، هي الإنسداد المالي...
هناك من يوجّهُ انتقادات شديدة للسادة المستشارين الاقتصاديين (الحكوميين)، بسبب تأييدهم المُعلَن لمُقتَرَح قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي، غير أنّ هذا التأييد لم يأتِ من فراغ، لأنّ هؤلاء السادة المستشارين يعرفونَ جيّداً (وأكثر من غيرهم)، أنّ لا قانون سيتم تشريعه للموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2022.
هؤلاء المستشارون يُدركون جيّداً، أنّ من بديهيات السياسة المالية للدولة، هو أن تكون هناك موازنة عامة للدولة، يتم من خلالها "تجسيد" هذه السياسة على أرض الواقع.
وفي حال عدم إمكانية ذلك (كما حدث في عامي" العُسْرة"، 2014، و 2020)، فإن قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي، ما هو إلاّ قانون موازنة عامة "بديل".. ولا شيء آخر.
لن تكون هناك موازنة عامة للدولة للسنة المالية 2022، لأنّ إعداد وتشريع قانون الموازنة العامة للدولة يتطلّب رئيس جمهورية جديد (أو يُعاد تكليفه)، ورئيس مجلس وزراء جديد (أو يُعاد تكليفه)، ووزير مالية جديد (أو يُعاد تكليفه).
ولأنّنا الآن في نهاية مايس/ آيار 2022، وبدون موازنة عامة للدولة، (بينما تم نشر قانون الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2021 في الجريدة الرسمية، وأصبح نافذ المفعول بتاريخ 12-4-2021)، فإنّ هذا يعني (بحسابٍ زمنيّ بسيط) أنّهُ لن يكون هناك وقتٌ كافٍ لإستكمال مناقشة ومُصادقة وتشريع قانون الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2022.
ولأننا في عام "الوفرة"، وسوف تتكدّسُ في "خزينتنا" مئات المليارات من عائدات الصادرات النفطية، بينما لم يتفّق الفرقاء السياسيون بعد على كيفية تقاسمها.. لن تكون هناك موازنة عامة للدولة للسنة المالية 2022.
ولأن الفرقاء السياسيين لا يستطيعون التوصّل إلى "تسويات سياسية" فيما بينهم، ويُصرّون على الحصول على كُلّ شيء، أو خسارةِ كُلّ شيء، فإنّ هذا يعني عدم القدرة على التوصّل إلى "تسويات اقتصادية"، يتم من خلالها توزيع "حُصص "الريع النفطي (الهائلة هذا العام) فيما بينهم.. وستكون مُحصّلة هذا "الإنسداد السياسي"، هي "الإنسداد المالي".. وبالتالي لن تكون هناك موازنة عامة للدولة للسنة المالية 2022.
هكذا يتصرّف"الكبار"، و"مستشاروهم".. وهم مُحقّونَ في ذلك.
أمّا نحنُ "شعوب" العراق، فإنّ أفضل شيءٍ سيحدثُ لنا بعد سبعة أشهرٍ من انتخابنا "لمُمثّلينا"، هو أن لا تكون لدينا لا موازنة عامة، ولا قانون للأمن الغذائي في عام "الفيل" النفطيِّ "المُلتَبِس" هذا.
أفضلُ شيءٍ يمكنُ أن يحدثُ لنا، ويحفِظُ لنا "فائض "ملياراتنا الحاليّ، هو أن نُنفِقَ في عام 2022.. ما مقداره 1/12 فقط) شهرياً)، من تخصيصات الموازنة العامة للدولة لعام 2021 (بموجب أحكام قانون الإدارة المالية النافذ).
وبطبيعة الحال، ستسألونني.. لماذا؟
وجوابي هو لأنّني أرى.. أننا في حال عدم وجود موازنة للعام الحالي سننفق ما يقرب من 129.993 ترليون دينار (هي إجمالي نفقات موازنة عام 2021، يوم كان السعر التقديري للنفط المُصدّر في تلك الموازنة، هو 45 دولار للبرميل).. وذلك سيكون أفضل لنا من أنفاق مبلغ قد يزيد عن ذلك بكثير (لأن معدل سعر النفط المصدّر الآن هو أكثر من 100 دولار للبرميل، وإيراداتنا هي أكبر بكثير من ايرادات الصادرات النفطية في موازنة عام 2021، والتي تم تقديرها بمبلغ 81.171 ترليون دينار فقط).. خاصةً وأننا في وضع سياسي "مُلتَبِس"، وسائب النهايات والنتائج، كالوضع الحالي.
أنا مقتنعٌ (وقد أكون مخطئاً بالطبع)، بأننا لا يجب أن نضع وفرة مالية هائلة (كالعائدات النفطية للعام الحالي)، تحت تصرف "سياسيّين غير قادرين على الإتفّاق على أيّ شيء ذي صلة بالشأن الاقتصادي، لأنهم في هذه الحالة قد يبدّدون معظمها (بشكل أو بآخر).
أخيراً هذا هو مجرّد "رأي" يعبر عن فهم اقتصادي-شخصيّ للموضوع، ولا يعكس أبداً "موقفاً سياسياً" من الأطراف المؤيّدة لقانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي، أو الأطراف المُعارضة له.. فأنا في نهاية المطاف لستُ مستشاراً، ولستُ "سياسيّاً"... كما أنّني لستُ وزير المالية الذي لم يُفصِح عن رأيه "المهني-الوظيفي "بهذا الصدد، إلى هذه اللحظة.
اضف تعليق