في أدب الخطابات، وحتى الكتب الرسمية، وحديث الشارع، تطلق الصفات بصورة عفوية وارتجالية، بدوافع النية الحسنة في التبجيل، لقد أصيب الناس بهذا الخطل القيمي، الناجم عن ثقافة نفاق اجتماعي تنتشر بسرعة، لا تسمّي الأشياء بأسمائها بل بصفات لا تناسبها، نحن ماهرون في فنون القول، والأناقة اللفظية، والوصف، وعاجزون عن الفعل الحضاري، سلوكا وواقعا...
في أدب الخطابات، وحتى الكتب الرسمية، وحديث الشارع، تطلق الصفات بصورة عفوية وارتجالية، بدوافع النية الحسنة في التبجيل، لكنها في قياسات المهنية، لا تلبي المعايير، فضلا عن أنها تخلق حالة ارتباك في المفاهيم.
نشر مدوّن صورة لرجال المرور وهم يعملون وسط غبار العواصف الرملية واصفا إياهم بـ "الأبطال"، وإذا حرصنا على الحقيقة، فإن كل شخص يؤدي عمله، هو "بطل" وفق هذا السياق، واختار آخر صورة لمعلمين يجتازون الطريق إلى قرية نائية، مطلقا عليهم صفة «الشجعان».
وفي خضم أزمة كورونا، أطلِق وصف «الجيش الأبيض» على موظفي الصحة. وملائكة الرحمة هنّ الممرضات اللواتي يلاقين صنوف الاحتقار، بينما مهنة التمريض ذاتها تواجه الإعراض من قبل الفتيات في العراق.
ويطلق على لاعبي كرة القدم، «الأسود»، وعلى النساء «الحرائر» وكلها صفات محببة، لكنها لن تضيف شيئا إلى البدهيات في أهمية المرأة، وعنفوان اللاعبين، وضرورة كل عمل من الأعمال. واختار صانع محتوى صورة لأشخاص في اليابان، وضعوا أقدامهم في حاويات ماء، وإدعى أن التلاميذ يغسلونها لهم تقديرا لـ «رسل» التعليم، والحقيقة أن الصورة لموظفين يخدمون كبار السن في دار للعجزة.
ووصفت أحزاب وعقائديات، أبطالها بأنهم «الشموع التي تحترق لتنير الدرب»، والبديي أن المضحين في كل زمان ومكان، لهم ما لهم من التبجيل والتقدير، وإن خيار التضحية واجب.
وتهويل الأحداث، وإضفاء صفات العظمة والأبهة، على الأشخاص عادة لها آثارها السلبية، لأنها تشذّ عن القاعدة الحياتية البسيطة وهي أن الكلّ في خدمة الكلّ، وإنّ كل شخص يتقاضى أجرا عمّا يؤديه من عمل.
كتب أحدهم واصفا، الجنود بأنهم «فرسان الوغى»، وواقع الحال أنهم مقاتلون مخلصون لواجبهم الذي يتقاضون عنه مرتبا شهريا، وقد اختاروا لأنفسهم عملا يرتزقون منه في هذا السلك
الأمني، واعتاد البعض، التأسيس لخطابات طارئة، مستندة أما إلى التكسب بالمدح، ومنح النعوت جزافا، بدافع العاطفة، وإذا كان المعلم يكاد أن يكون رسولا، فماذا سيكون المهندس والطبيب، والمربي، المحامي، والجندي والشرطي.
لقد أصيب الناس بهذا الخطل القيمي، الناجم عن ثقافة نفاق اجتماعي تنتشر بسرعة، لا تسمّي الأشياء بأسمائها بل بصفات لا تناسبها، نحن ماهرون في فنون القول، والأناقة اللفظية، والوصف، وعاجزون عن الفعل الحضاري، سلوكا وواقعا.
اضف تعليق