فعدد كبير من الشخصيات السياسية والقوى السياسية في البلد مستعدة ان تضحي بالثوابت الوطنية والطموحات الشعبية والجماهيرية لأجل هدف أساسي يتمثل بضمان وجودها في السلطة، لان السلطة تعني كل شيء بالنسبة لها في حين باقي المسائل لا تحتل أي أهمية وليس لها وجود في تفكير وسلوك هذه القوى...
كثيرة هي الاحداث التي تعصف بالبلد منذ التغيير السياسي من النظام الاستبدادي، التي اثرت بصورة او بأخرى على الامن المجتمعي وفرطت بالثوابت الوطنية لحسابات سياسية ومن اجل تحقيق مكاسب سياسية فئوية وحزبية، وهو ما أضاف مشاكل وازمات وتراجع في معايير التحول الديمقراطية والحكم الرشيد المنشود في العراق، والامثلة على ذلك كثير ممكن ان نشير الى نماذج منها في هذا المقال.
فقد قادت التجاذبات السياسية بعد التغيير الى صعود الطائفية السياسية، ويراد لها ان تتحول الى طائفية مجتمعية خصوصا وان اطراف كثيرة الرابح منها والخاسر يحاول ان يخاطب الذهنية المجتمعية بمكوناتها الأولية وهي الدين، والطائفة، والقبيلة، والمنطقة، والاسرة، وما تمثله من قيم وعادات وتقاليد، فالتوظيف السياسي للطائفة تحول الى اقتتال اهلي وكاد ان يصل بالبلد الى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر بين اهم مكوناته المذهبية خصوصا مع وجود طرف ثاني لا يقل تطرفا وجمودا واستغلالاً للدين والمرتكز الطائفي والمذهبي والمتمثل بالتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة ومن ثم جماعة الزرقاوي وحتى تنظيم داعش الإرهابي والتي بقدر ما استثمرت هذه التنظيمات الإرهابية، ووظفت الطائفية السياسية اصبح هناك ساسة يدعون بالسر والعلن هذه التوجهات والاحتماء بها ضد الخصوم السياسيين مع وجود المال والدعم الخارجي خصوصا الإقليمي منه.
وحتى في حالات سياسية من المفترض ان تكون في بلد يعتمد الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة في ظل وجود سلطة تشريعية ممثلة عن الشعب، والدستور والقوانين الضامنة ومقيدة لمسائل السلطة وتشعباتها فإن الانتخابات تحولت مع كل دورة انتخابية من مبادئ التنافس السياسي القائم على أساس البرامج الى صراعات سياسية قائمة على أساس التسقيط السياسي والاغتيال والتخريب وفي مراحل معينة وصلت الى حد حرق مؤسسات مختلفة ومنها الإنسانية تابعة للدولة هنا وهناك تصنف تحت هيمنة الكيان (أ) او الكيان (ب) في حين قاد الصراع السياسي في مناسبات متعددة الى اجتياح امني خطير تمثل بدخول تنظيم داعش لمساحة كبيرة من الأراضي العراقية تمثلت بثلث مساحة الدولة العراقية خصوصا مع تسليم القيادة الأمنية لشخصيات متهمة بالفساد وسوء الإدارة.
ومع الافرازات الأولية لنتائج الانتخابات تستغل عوامل عديدة ومن ضمنه زج الجمهور السياسي لهذا الكيان او ذلك وعلى مختلف المحافظات والانتماءات السياسية والمكوناتية المذهبية منها والقومية بل ساهم ذلك في تغيير الكثير من المرشحين لمناصب سيادية عليا مثل رئاسة الوزراء.
فعدد كبير من الشخصيات السياسية والقوى السياسية في البلد مستعدة ان تضحي بالثوابت الوطنية والطموحات الشعبية والجماهيرية لأجل هدف أساسي يتمثل بضمان وجودها في السلطة، لان السلطة تعني كل شيء بالنسبة لها في حين باقي المسائل لا تحتل أي أهمية وليس لها وجود في تفكير وسلوك هذه القوى، في الوقت الذي تحذر فيه بخطابها السياسي امام جمهورها من تحديات ومخاطر معينة خصوصا على الجانبين السياسي والأمني ومستمرة في تقديم وهم المؤامرة كأكبر خطر يهدد الأيقونات السياسية والدينية والمذهبية والقومية فإنها في الوقت ذاته مستعدة ان تتنازل عن كل هذه الثوابت في اول مكسب سياسي.
في حين اصابت عدوى الانتهازية والفساد المالي واللهث خلف المغريات المادية والسياسية حتى أولئك الذين راهن عليهم الجمهور قبل الانتخابات، ومن ذلك القوى المستقلة والنواب الذين يصنفون على انهم مستقلين، في حين برهنت بعض القوى التقليدية مرة أخرى عن تنازلها عن من ارتكب الجرائم بصورة مباشرة او غير مباشرة عبر الخطابات المشحونة بالطائفية السياسية التي كانت مغذي أساس للفكر الإرهابي، اذ ان هذه القوى تريد ان تضغط على خصومها السياسيين من اجل تحقيق ما تريد سياسيا خصوصا في فترة بعد انتخابات تشرين الأول عام 2021 وما شهدته من تراجع ملحوظ لهذه القوى تريد ان تتمثل بأي طريقة في تقاسم السلطة، ومن ذلك ما يجري الان من تبادل التهم بعد اطلاق سراح شخصيات سياسية متهمة بالإرهاب وتغذية الفكر المتطرف والارهابي، وفسح المجال امام هذه الشخصيات للدخول في العمل السياسي، اذ ان هناك اهداف من هذا التقريب في هذا الوقت وتكمن هذه الأهداف في بعض الدوافع الاتية:
- يسعى الطرف الداعم بصورة مباشرة او غير مباشرة الى ارجاع هذه الشخصيات وما تمثله من خطاب سياسي ومكوناتي متشنج ومتطرف طوال الفترات السابقة ان يجد قيادة منافسة للتحالف الخصم.
- إضعاف جهة الخصم واحراج بعض القوى السياسية فيها خصوصا تلك التي تضرر الجمهور العام او الخاص من خطاب تلك الشخصيات، مما جعل ان تتراجع من إصرارها وبرنامجها ومشروعها السياسي خصوصا ما أعلنه التحالف الثلاثي بقيادة التيار الصدري من عزمه رغم الضغوط والإخفاق في جلسات البرلمان من تمرير السلطة التنفيذية المتمثلة بشق رئيس الجمهورية ومن ثم تشكيل حكومة قائمة على أساس الأغلبية الوطنية.
- هناك تأثيرات إقليمية في الضغوطات التي مورست على المؤسسات العراقية ذات الصلة بموضوع تلك الشخصيات او على الأحزاب والقوى السياسية.
والمؤسف بدلا من معالجة هذا الموضوع من قبل القوى السياسية تحول الى مادة للاتهام والتسقيط السياسي، وكل طرف يحاول ان يتهم الطرف الاخر في حين لم تبدي هذه القوى أي موقف قائم على أساس الحقيقة امام جمهورها، خصوصا وان هذا الموضوع لا يقل خطورة عن مواضيع سابقة اضرت بالمصلحة الوطنية العليا للبلد وطموحات الشعب في تحقيق الحكم الرشيد والتنمية الاقتصادية والعمرانية والخدمية، فيما لا يزال الصراع هو السمة السائدة على العملية السياسية في العراق رغم مرور ما يقارب تسعة عشر عاما من التغيير وهو ما يشكل نكسة كبيرة للمصالح العليا ويضع مجمل العملية السياسية في سيناريوهات مغايرة.
اضف تعليق