الوجه الاخر لمثل هذا السلوك الاقتصادي النخبوي، ان أحد اهم مخرجاته الاجتماعية، تتمثل في عودة ظهور الطبقة الوسطى العراقية التي لا تعتمد على موارد الحكومة، ولا تتبع أي من الأحزاب، وان كانت بالضرورة مؤيدة او مساندة لأفكار هذا الحزب او ذاك لكنها لا تنتظر عطايا مفاسد المحاصصة وتتحرر هذه الطبقة من هيمنة استبداد هذه الأحزاب...
منذ عشرة أعوام، اتابع نشاطات مجموعات اقتصادية عراقية من بينها "المجلس الاقتصادي العراقي" حيث تعقد امسيات رمضانية لمناقشة واقع القطاع الخاص بحضور شخصيات برلمانية وحكومية ناهيك عن الخبراء من الأكاديميين، ما زالت هذه الاجتماعات تصدر توصياتها من دون ان يحصل المنشود في إعادة تكوين قطاع خاص نخبوي ينهض بالواقع الاقتصادي المعيشي للعراقيين من دون الاعتماد على ما تجود به “مفاسد المحاصصة" على العراقيين في قانون الموازنة العامة سنويا.
اعتقد بات من المطلوب ان تغادر المجموعات العراقية من كبار المستثمرين نموذج الانتظار الى نموذج الفعل الاقتصادي خارج سياق مبادرة "تمكين" التي أطلقها البنك المركزي العراقي او غيرها من مبادرات القروض الى طرح مبادرات ريادية ابتكارية تقوم على المشاركة في توسيع إدارة الاعمال مع شركات ناشئة تحت ظل هذه المجموعات الاقتصادية الكبرى، واعتماد النموذج العنقودي لإدارة هذه الشركات الناشئة كما فعلت مجموعة الراجحي في السعودية، او البنوك المصرية والاردنية ناهيك عن تجارب البنوك الهندية والاسيوية.
تبدأ الإدارة العنقودية بتحديد الاستجابة لاحتياجات المجموعة من الشركات الناشئة، مثال ذلك الحاجة الى التجهيزات الطبية للملابس ذات الاستخدام الواحد مثل ملابس العمليات الجراحية او الاغطية الطبية، او اعمال التغليف والتوصيل، او اعمال النقل عبر العراق، او الإنتاج الزراعي والحيواني، ابسط مثال على ذلك ان قيمة برميل الحليب اغلى بكثير من قيمة برميل النفط، لكن أي مجموعة اقتصادية لم تفكر بمشروع وطني يوطن الإنتاج الحيواني واستثمار ما ينتج من حليب ابقار او جاموس عبر العراق او على الأقل عبر محافظة واحدة، مثل هذه المشاريع لا تحتاج الى ضمانات مصرفية او موافقات حكومية.
بل الى اتفاقات مع جمهور منتج مستفيد يأتي مع شباب واعد من خريجي الجامعات في شركات ناشئة تحت مظلة استشارة وإدارة عليا لهذه المجموعات الاقتصادية بوجود إدارة متكاملة حيث تباشر كل مجموعة اعمالها بعيدا عن روتين الحكومة القاتل للإبداع وتكوين مثل هذه الشركات الريادية كل منها يكمل الأخرى ضمن المجموعة الاقتصادية الواحدة بطريقة عنقودية تقلل مخاطر الخسائر وتزيد من فرص الأرباح، لان المنتج أصلا يكون تحت الطلب وليس معروضا للتجهيز في المراحل الأولى، بعدها يحصل فائض قيمة في العرض والطلب وفقا لإدارة الجودة الشاملة والإنتاج المتكامل الذي يقلل من الكلفة الأساسية للمنتج ويجعله ينافس المستورد، عندها يمكن رؤية مطوري اعمال عراقيين حقيقين، وليس مجرد اقتصاد استهلاكي يعتمد مقولة ان راس المال جبان يخشى الاستثمار.
الوجه الاخر لمثل هذا السلوك الاقتصادي النخبوي، ان احد اهم مخرجاته الاجتماعية، تتمثل في عودة ظهور الطبقة الوسطى العراقية التي لا تعتمد على موارد الحكومة، ولا تتبع أي من الأحزاب، وان كانت بالضرورة مؤيدة او مساندة لأفكار هذا الحزب او ذاك لكنها لا تنتظر عطايا "مفاسد المحاصصة" وتتحرر هذه الطبقة من هيمنة استبداد هذه الأحزاب وتتحول الى مؤثر مباشر وغير على دعم بناء الدولة وتحفيز الأغلبية الصامتة على المشاركة الاوسع في العملية الانتخابية وإعادة انتاج العملية السياسية بما يحقق معادلة مساواة المنفعة الشخصية للمواطن/ الناخب مع المنفعة العامة للدولة وجعل الرؤية للبرامج الحكومية ضمن هذا الاتجاه لتوليد فرص العمل في القطاع الخاص واستيعاب الشغيلة من خريجي الجامعات العراقية.
كل ذلك يخضع لسؤال مركزي، هل باستطاعة هذه المجموعات الاقتصادية الانعتاق من انتظار ما تجود به الحكومة واتباع نموذج المجموعة الاقتصادية النخبوية الفاعلة؟؟ سؤال يحتاج الى امسيات رمضانية أخرى لمناقشته، ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!
اضف تعليق