تآكلت المكاسب لأسباب كثيرة، منها الارهاب وبقايا نظام صدام وغير ذلك. لكن السبب الاعظم هو عيوب التأسيس وسوء الادارة وهما الصفتان اللتان طبعتا العملية السياسية. ويتحمل هذه الحالة أطراف عدة على رأسها الطبقة السياسية التي مسكت بزمام الدولة خلال السنوات العشرين الماضية، ومعها شريح من الناس شكلوا قاعدتها الشعبية والانتخابية...
على المستوى الملموس، حصل المجتمع العراقي على بعض المكاسب المهمة بعد ٩ نيسان من عام ٢٠٠٣، لكن الشعور بهذه المكاسب اخذ بالتآكل بعد فترة وجيزة بسبب ما رافق قيام النظام الجديد من عيوب التأسيس وعيوب الاداء.
ماذا تحقق بعد عام ٢٠٠٣؟
اولا، سقوط الدكتاتورية، ومعها انتهاء حقبة القمع، والمقابر الجماعية، والاعتقالات العشوائية، والاعدامات، والقائد الضرورة، وعبادة الشخصية، والحزب القائد، واحتكار السلطة الخ.
ثانيا، الحرية بمختلف انواعها واشكالها.
ثالثا، الصحافة
خامسا، الاحزاب
سادسا، السوق المفتوح
سابعا، الانتخاب
ثامنا، المشاركة السياسية.
تاسعا، زيادة الدخل الفردي
وهذه كلها مفردات، وغيرها مما لم اذكره، كان يمكن ان تكون جزءاً من مفهوم اوسع هو الدولة الحضارية الحديثة. تقوم الدولة الحضارية الحديثة على اساس المواطنة الفعالة والديمقراطية الصحيحة والمؤسسات القوية وحكم القانون والعلم الحديث. وينتج عن هذا حكومة كفوءة، واداء جيد، وتحسين للخدمات، والارتقاء بمستوى الحياة، وادارة حديثة.
لكن ليس بوسعنا ان نقول ان العراق اصبح دولة حضارية حديثة اليوم، لان عيوب التأسيس وسوء الاداء والادارة التي رافقت هذه المكاسب جردتها من معانيها الحقيقية وانحرفت بها عن الطريق الصحيح. فقد ظهرت الاقطاعيات السياسية، والزعامات المحلية، والفساد، والمحاصصة، والادارة المتخلفة، وتراجعت الخدمات، وتغير سعر الدينار نحو الاسوأ، وتفاقمت الصراعات بين القوى السياسية التي لم تعرف كيف تمارس السياسة بطريقة ديمقراطية، وتولى الحكم والادارة اشخاص لا يملكون المؤهلات اللازمة لذلك.
وكانت النتيجة ظهور دعوات مشبوهة مثل الدعوة الى "المستبد العادل"، والغاء الاحزاب، والغاء المجالس التمثيلية، بل ان البعض صار يردد عبارة "ذهب صدام وظهر الف صدام" او "بيضتوا وجه صدام" الخ. وربما لا يقصد اصحاب هذه العبارات معانيها الحرفية، لكنها تؤشر الى وجود نكسة في الوعي السياسي بسبب التردي المستمر والمتفاقم في الاوضاع بعد سقوط صدام. احدث هذا خيبة امل في نفوس الناس، ويأسا من امكانية الاصلاح، و نسيانا لما كانت عليه الاوضاع في اثناء حكم صدام.
تآكلت المكاسب لاسباب كثيرة، منها الارهاب وبقايا نظام صدام وغير ذلك. لكن السبب الاعظم هو عيوب التأسيس وسوء الادارة وهما الصفتان اللتان طبعتا العملية السياسية. ويتحمل هذه الحالة اطراف عدة على رأسها الطبقة السياسية التي مسكت بزمام الدولة خلال السنوات العشرين الماضية، ومعها شريح من الناس شكلوا قاعدتها الشعبية والانتخابية، بعربهم واكرادهم وشيعتهم وسنتهم وعلمانييهم واسلامييهم.
واليوم يبحث الكثيرون عن حل. وهنا نواجه خطر الوقوع في المطب الذي اشار اليه لينين في عنوان كتابه الشهير: "خطوة الى الامام وخطوتان الى الوراء". فقد يتحدث بعض الناس باقتراحات تبدو في ظاهرها حلا لكنها في الواقع تراجعا عن المكاسب التي تحققت بعد سقوط النظام البعثي.
نحتاج اليوم الى حلول تواصل التقدم الى امام ولا تقبل بالتراجع والنكوص عن الحرية والديمقراطية وغيرهما مما تحقق حتى الان.
اضف تعليق