اختيار شخصية رئيس مجلس الوزراء هي من أصعب المهمات التي تواجه العملية السياسية برمتها كل أربع سنوات، فاذا كان بالإمكان الاتفاق على شخص رئيس مجلس النواب، وعلى شخص رئيس الجمهورية مع الصعوبات التي تعتري اختيارهما إلا أن اختيار شخص رئيس مجلس الوزراء هي المسألة الأكثر تعقيدا في العراق...
بعد كل أربع سنوات انتخابية تواجه العراق معضلة اختيار الرئاسات الثلاثة وهي: رئاسة مجلس النواب، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء. فمع أن الدستور العراقي قد حدد شروطا عامة لاختيار من يتولى رئاسة هذه الجهات الثلاثة، والتي تنطبق على الكثير من المواطنين إلا أن العرف السياسي قد جرى على اختيار شخصيات تمثل المكونات الاجتماعية والسياسية الأساسية في العراق، وهي الشيعة والسنة والكرد، بالإضافة إلى منح المكونات الاجتماعية الأخرى مناصب سياسية فرعية.
ففيما يتعلق بانتخاب رئيس البرلمان ونائبيه؛ تنص المادة (55) من الدستور العراقي على "ينتخب مجلس النواب في أول جلسة له رئيسا، ثم نائباً أول ونائباً ثانياً بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس بالانتخاب السري المباشر" إلا أن العرف السياسي قد جرى أن يكون رئيس المجلس من المكون العربي السني، وله نائب من المكون العربي الشيعي، ونائب آخر من المكون كردي.
وفيما يتعلق بانتخاب رئيس جمهورية العراق؛ تنص المادة (70) من الدستور العراقي على ما يلي: أولا: ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية بأغلبية ثلثي عدد أعضائه. ثانياً: إذا لم يحصل أي من المرشحين على الأغلبية المطلوبة يتم التنافس بين المرشحين الحاصلين على أكبر عدد من الأصوات ويعلن رئيساً من يحصل على أكثرية الأصوات في الاقتراع الثاني" إلا أن العرف السياسي قد جرى أن يكون الرئيس من المكون الكردي.
وفيما يتعلق بانتخاب رئيس مجلس الوزراء؛ تنص المادة (76) من الدستور العراقي على ما يلي: أولا: يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية. ثانيا: يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما من تاريخ التكليف. ثالثا: يكلف رئيس الجمهورية مرشحا جديدا لرئاسة مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما عند إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة خلال المدة المنصوص عليها في البند "ثانيا" من هذه المادة. رابعا: يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف أسماء أعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزا ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة. خامسا: يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال خمسة عشر يوما في حالة عدم نيل الوزارة الثقة. إلا أن العرف السياسي قد جرى أيضا أن يكون رئيس مجلس الوزراء من المكون العربي الشيعي، ومن الكتلة الشيعية الأكبر.
ورغم التوافق السياسي على اختيار شخصيات تمثل المكونات الثلاثة إلا أنه ليس من السهل تحديد الشخص الذي سيتولى واحدة من هذه المناصب الثلاثة، وقد يكون الحزب الفائز في الانتخابات أو الكتلة التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد النيابية هي التي تحدد من سيكون الشخص الملائم لتولي إحدى هذه الرئاسات، بحيث يكون من المكون الاجتماعي، ومن الحزب الفائز، ومن الذي ترضى عليه الأحزاب والكتل السياسية من المكون الاجتماعي الذي ينتمي إليه، ثم يطرح كمرشح عن المكون الاجتماعي المحدد على بقية الكتل والأحزاب والشخصيات السياسية للمكونات الاجتماعية الأخرى، وإذا ما حصلت الموافقة المبدئية من قيادات المكونات الأخرى فان اسمه يطرح أمام مجلس النواب حتى يحظى بأغلبية أصوات أعضاء مجلس النواب.
ولا شك أن اختيار شخصية رئيس مجلس الوزراء هي من أصعب المهمات التي تواجه العملية السياسية برمتها كل أربع سنوات، فاذا كان بالإمكان الاتفاق على شخص رئيس مجلس النواب، وعلى شخص رئيس الجمهورية مع الصعوبات التي تعتري اختيارهما إلا أن اختيار شخص رئيس مجلس الوزراء هي المسألة الأكثر تعقيدا في العراق، مع أن العرف السياسي قد جرى أن يكون رئيس الوزراء من المكون الاجتماعي الشيعي، وترشحه الكتلة النيابية الأكبر من بين الكتل الشيعية الفائزة.
في الحقيقة؛ هناك مجموعة من الأسباب والمعوقات التي تحول دون اختيار رئيس مجلس الوزراء بطريقة سهلة أو مرنة، ومنها:
1. تسمية الكتلة النيابية الأكبر الفائزة في الانتخابات: حيث ينص الدستور على أن ترشح الكتلة النيابية الأكبر شخص رئيس الوزراء حتى يكلفه السيد رئيس الجمهورية، وفي أغلب العمليات الانتخابية لم تجر تسمية الكتلة الأكبر بطريقة سهلة، فكل كتلة سياسية شيعية تقدم نفسها أنها الكتلة النيابية الأكبر، وأنها هي من ترشح رئيس الوزراء. مما يتطلب التوافق بين الكتل الشيعية على اختيار شخص رئيس الوزراء وتقديمه للسيد رئيس الجمهورية لتكليفه بتأليف الحكومة.
2. شخصية رئيس الوزراء: وإذا ما جرى التفاهم بين الكتل السياسية الشيعية على أن تكون مجتمعة هي الكتلة النيابية الأكبر، وهي من لها حق ترشيح رئيس مجلس الوزراء، فتبرز مشكلة أساسية أخرى، وهي من هو الشخص الذي يمكن أن تتفق عليه الكتلة الشيعية الأكبر ليكون رئيسا لمجلس الوزراء؟
فالدستور اشتراط في شخص رئيس مجلس الوزراء:(1- أن يكون عراقياً ومن أبوين عراقيين.2- كامل الأهلية وأتم الخامسة والثلاثين من عمره.3- ذو سمعة حسنة وخبرة سياسية ومشهود له بالنزاهة والاستقامة والعدالة والإخلاص للوطن. 4-غير محكوم بجريمة مخلة بالشرف.5- أن يكون حائزاً على الشهادة الجامعية أو ما يعادلها.5- أن يكون غير مشمول بإحكام قانون المساءلة والعدالة) إلا أن هذه الشروط العامة يمكن أن تتوافر في العديد من الشخصيات السياسية الشيعية ولكنها ليست مقبولة عند تلك الكتل.
إذ أن الغالب أن كل كتلة سياسية شيعية تريد أن يكون شخص رئيس مجلس الوزراء منها، وتطلب من الكتل الأخرى الموافقة عليه، وبالتأكيد الكتل الأخرى لا توافق على هذا المرشح بسهولة ويسر، وتصر على أن مرشحها هو الأفضل والأحسن والأقدر على إدارة شؤون البلاد. مما يضطر تلك الكتل- مع ضيق الوقت الدستوري المحدد لطرح وترشيح شخص رئيس الوزراء- على التوافق على شخص (مستقل) أو (محايد) يحظى بقبول الكتلة الأكبر مجتمعة. ومن هنا تبز المشكلة الثالثة.
3. ضعف أداء رئيس الوزراء: إن المشكلة الثالثة في اختيار شخص رئيس الوزراء المتوافق عليه بين الكتلة النيابية الأكبر هو أنه شخص ضعيف ابتداء وانتهاء، ومحكوم بإرادة الكتل السياسية التي رشحته، فمعروف أن كل كتلة سياسية تجلس مع رئيس الوزراء المرشح، وتفرض عليه مجموعة من الشروط والالتزامات التي ينبغي أن يتعهد لها بالوفاء بها وإلا لن ترشحه لرئاسة الوزراء. نعم قد يتنصل رئيس الوزراء في وقت لاحق عن وعوده إلا أنه يظل تحت وعيد تلك الكتل حتى يحقق ما التزم به. ولذلك فإن القوى السياسية بصرف النظر عن إيمانها بالدولة من عدمه باتت تبحث عن رئيس وزراء حسب الطلب، لأن أي مقاربة مختلفة سوف تكون على حسابها، إن كانت سطحية أم عميقة.
4. رئيس الوزراء ليس حرا في اختيار وزراه: والمشكلة الرابعة هو أن رئيس الوزراء ليس حرا في اختيار وزراءه، فمع أن الدستور العراقي رسم أتاح لرئيس مجلس الوزراء أن يقوم بتسمية أعضاء وزارته، وذلك خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ التكليف، وفي حالة إذا ما أخفق رئيس مجلس الوزراء المكلف بتشكيل الوزارة خلال المدة المحددة دستورياً، يصار إلى أن يكلف رئيس الجمهورية مرشحاً أخر لرئاسة الوزراء وتشكيل مجلسه خلال نفس المدة المذكورة أعلاه إلا أن أسماء الوزراء ترشح للسيد رئيس الوزراء من جميع الكتل النيابية الفائزة، كل بحسب الأصوات التي حصل عليها، بل في أحيانا كثيرة تفرض عليها فيقبلها مرغما، لأمرين الأول أنه قبل هذا الشرط قبل ترشيحه، والثاني أنه سيلاقي معارضة لدى عرض أسماء وزراءه على مجلس النواب للتصويت عليهم منفردين. إذ تعد الوزارة حائزة على ثقة المجلس عند الموافقة على كل منهم بالأغلبية المطلقة. أما إذا لم تحز الوزارة على الثقة بالأغلبية المطلوبة، حينها يصار إلى أن يكلف رئيس الجمهورية لمرة أخرى مرشحاً جديداً لتشكيل الوزارة خلال مدة خمسة عشر يوماً من تاريخ عدم نيل الثقة.
5. عدم قدرة رئيس الوزراء على السيطرة على وزارات الدولة ووزراءه: رغم أن جميع الوزراء من الناحية الدستورية والشكلية هم مرشحون عنه، وهو مسؤول عن أعمالهم الحكومية، وهو من ينبغي أن يحاسبهم على أدائهم في وزارتهم، إلا أن رئيس مجلس الوزراء لا يستطيع من الناحية الواقعية السيطرة على الوزارات، ولا متابعة أداءها، ولا مسألة وزراءها، بل علاقة الوزير تكون مع الحزب الذي رشحه، وهو يخضع في كثير من الأحيان لمدير مكتبه، وهو الموظف الذي رشحه الحزب لترتيب وضع الحزب المالي والإداري في الوزارة. هذا بالضبط يجعل رئيس مجلس الوزراء في موقع يصعب معه الانفراد بقراراته وفرضها على وزراءه، وعليه؛ فان مجلس الوزراء الذي يقوده رئيس مجلس الوزراء لن يكون كتلة واحدة تسير بأمره قائدها مما يؤدي إلى تعذر ممارسة رئيس مجلس الوزراء لاختصاصاته بصورة فعلية وناجعة.
6. ليس لرئيس الوزراء حق إقالة وزراءه: لا يمتلك رئيس مجلس الوزراء حق إقالة وزراءه في حال ثبوت تقصيرهم، وإنما قد ألزمته المادة (78) من الدستور ضرورة الحصول على موافقة مجلس النواب على الإقالة لتكون سارية بحق الوزير المقال، والحصول على موافقة مجلس النواب تشوبها بعض الصعوبة، كون الاعتبارات السياسية لا القانونية هي التي ستؤثر في تكوين الأغلبية البرلمانية بشأن الموافقة على الإقالة من عدمها.
نخلص مما تقدم؛ أن رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول الأول في الدولة، وهو من يتمتع بصلاحيات واسعة بحسب الدستور، إلا أنه في الوقت ذاته هو شخص ضعيف، لا يستطيع أن يقوم بمهماته، ولا يتمكن من استعمال صلاحياته، لأنه محكوم ابتداء وانتهاء بالكتل السياسية التي رشحته أو رشحت وزراءه، وعليه فان:
أ. أطروحة انتخاب رئيس مجلس الوزراء من الشعب مباشرة هي أفضل صيغة للحصول على رئيس مجلس وزراء قوي، ويستطيع أن يؤدي مهماته المكلف بها، وقادر على التحكم بوزرائه، وقادر على أقالتهم باي لحظة يراها ملائمة
ب. من الناحية الأخرى يستطيع مجلس النواب مجتمعا أن يحاسب رئيس مجلس الوزراء على أسس واقعية وخدمة، لا على أسس حزبية أو طائفية.
ت. سيحظى الشعب بخدمات وبرامج ومشروعات حقيقية لوجود رئيس وزراء قوي ومساءلة قوية.
اضف تعليق