للهُوِيَّةِ الإنسانية وُجُودان، وُجُودٌ لُغوي ثقافي يَعمل كوسيط بين كِيَان الإنسان وكَينونته، مِن جِهة، وبَين الإنسان والآخرين مِن جِهة أُخْرَى، ووُجُودٌ اجتماعي يَربط بين الشعور الداخلي للإنسان والعَالَمِ الخارجي. وهذان الوُجُودان مُتلازمان ضِمن سُلطةِ الحقيقة المعرفية (جُزئيًّا وكُلِّيًّا) وماهيَّةِ البناء الأخلاقي (فرديًّا وجماعيًّا). وبما أنَّ كُلَّ...
(1)
التفاعلُ اللغوي في الظواهر الثقافية لَيس شكلًا من أشكال التنظيم الاجتماعي فَحَسْب، بَل هو أيضًا تعبيرٌ رمزي عن الهُوية الإنسانية في تَجَلِّيَاتها النَّفْسِيَّة المُنعكسة على الواقع، التي تُؤَسِّس منهجًا معرفيًّا لاستيعاب الفِعْل الاجتماعي، وتأويله في سِياقات الوَعْي الذي تُولِّده الأحداثُ اليومية بين التنظيرِ (وضع النظريات اعتمادًا على الربط المنطقي بين الخَيَالات والمُشَاهَدَات) والتكوينِ (صناعة الواقع الخارجي معرفيًّا وماديًّا).
وتأويلُ الفِعل الاجتماعي لا يعني حَصْرَه ضِمن منظومة الأسباب والمُسَبِّبَات، ومُحَاصرته في خانة رُدود الأفعال المُؤَقَّتَة، وإنَّما يعني فَتْحَه على جميع الاحتمالات، التي تشتمل على الصُّوَرِ الذهنية للأشياء، والتراكيبِ المنطقية للعناصر، والمفاهيمِ المُجَرَّدة للكِيَانات، والأفكارِ العملية للمَوجودات.
وكُلُّ احتمال فِكري يُمثِّل تاريخًا جديدًا للواقع الذي يُعَاش في الصُّوَرِ الذهنية المَرئية، والتطبيقاتِ المادية الفِعلية. وهذا يُشير إلى أن الواقع يُعَاش مَرَّتَيْن، معنويًّا وماديًّا، مِمَّا يُؤَدِّي إلى بناء تصوُّرات مركزية عن الوجود، وتمثيلها عقليًّا لتفسيرِ طبيعتها، وتحديدِ أبعادها، وبيانِ مُحتوياتها، في إطار الأفكار الاجتماعية والرموز اللغوية والظواهر الثقافية.
(2)
للهُوِيَّةِ الإنسانية وُجُودان، وُجُودٌ لُغوي ثقافي يَعمل كوسيط بين كِيَان الإنسان وكَينونته، مِن جِهة، وبَين الإنسان والآخرين مِن جِهة أُخْرَى، ووُجُودٌ اجتماعي يَربط بين الشعور الداخلي للإنسان والعَالَمِ الخارجي. وهذان الوُجُودان مُتلازمان ضِمن سُلطةِ الحقيقة المعرفية (جُزئيًّا وكُلِّيًّا) وماهيَّةِ البناء الأخلاقي (فرديًّا وجماعيًّا).
وبما أنَّ كُلَّ وُجُود يتأثَّر بِمَوجوداته ويُؤَثِّر فيها، فلا بُد أن تتأثَّر اللغةُ بنسقها الثقافي وتُؤَثِّر فيه، ولا بُد أن يتأثَّر التنظيمُ الاجتماعي بِحُرِّية الأفكار ويُؤَثِّر فيها. وهذا الحراك يُفَجِّر الطاقةَ الإبداعية في فلسفة العقل، ويُكوِّن فضاءً معرفيًّا يُساهم في تجميع النتائج الإيجابية على المُسْتَوَيَيْن الداخلي والخارجي (داخل الإنسان وخارجه)، مِمَّا يَقُود إلى تفعيل آلِيَّات التواصل بين الإنسان وذاته، والإنسان ومُجتمعه، فيتكرَّس التنظيمُ الاجتماعي لُغَوِيًّا وفِكريًّا على القواعد العقلانية والأخلاقية، وهذا مِن شأنه تعميق العلاقات الاجتماعية في الأحداث اليوميَّة، وتَوسيع دَلالات القِيَم الإنسانية في المَوروث الثقافي، وإنتاج أدوات البحث والتنقيب في الحقول المعرفية كافَّة.
(3)
التفاعلُ اللغوي في صِيغته الثقافية-الاجتماعية، لا يَكتمل إلا باكتمال الوَعْي بكيفية تشكُّل الروابط بين التمثيلاتِ العقليةِ (الصُّوَر الذهنية) والمُحتوى القَصْدِيِّ للأفعال الاجتماعية. وهذا الاكتمالُ ضروري لتفسير العوامل التي تُحدِّد معالمَ الهُوية الإنسانية، وتكشف طبيعةَ الأنساق المعرفية التي تقوم عليها المعايير الأخلاقية، وتُوضِّح معنى التاريخ الإنساني، وتأثيره في الشخصية الفردية وعلاقاتها معَ ماهيَّة الوَعْي بالعَالَم الخارجي، مِمَّا يَجعل الفردَ في إطاره الإنساني مُتفاعلًا معَ العناصر الوجودية في المجتمع، وساعيًا للحُصُول على تفسير منطقي للبُنى الوظيفية والسلوكيات الحياتية.
وكما أن اللغة لا تُفَسَّر إلا ضِمن سِيَاقها المعرفي في منظومة الاتِّصال والتواصل، كذلك حياة الفرد، لا تُفَسَّر إلا ضِمن بُنيتها الوظيفية في المجتمع والعَالَمِ.
اضف تعليق