q
لو ارتكب المواطن العادي اي عمل مخالف للقانون فان القانون جاهز لمعاقبته. لكن لو ارتكب مجلس النواب مخالفة دستورية فلا احد يدري من يعاقبه وكيف، كون مجلس النواب ممثلا للشعب بالانتخابات لا يجعله معصوما من الخطأ، ولا يجعله فوق المحاسبة والعقاب اذا انتهك الدستور او خالف القانون، لكن الدستور سكت عن هذه الحالة...

لو ارتكب المواطن العادي اي عمل مخالف للقانون فان القانون جاهز لمعاقبته. لكن لو ارتكب مجلس النواب مخالفة دستورية فلا احد يدري من يعاقبه وكيف.

كون مجلس النواب ممثلا للشعب بالانتخابات لا يجعله معصوما من الخطأ، ولا يجعله فوق المحاسبة والعقاب اذا انتهك الدستور او خالف القانون.

لكن الدستور سكت عن هذه الحالة. وهذه واحدة اخرى من نواقص الدستور.

الامر المؤكد الان ان مجلس النواب ارتكب مخالفة دستورية، وذلك بمخالفته التوقيت الزمني لانتخاب رئيس الجمهورية الوارد في المادة ٧٢ / ثانيا/ ب التي تقول: "يستمر رئيس الجمهورية بممارسة مهماته الى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه، على ان يتم انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ أول انعقادٍ للمجلس." فقد انتهت المهلة الدستورية دون ان ينتخب مجلس النواب رئيسا للجمهورية. وهذا يدل على امرين في وقت واحد. الامر الاول ان قادة الكتل السياسية لا يعبأون بالدستور واحكامه، والثاني ان النواب الذين انتخبهم الشعب لا حول لهم ولا قوة وغير قادرين على فرض احترام الدستور على زعمائهم. وقد انتهى بنا الحال الى رئيس جمهورية انتهت ولايته، وحكومة تصريف اعمال تتصرف باموال الدولة ومقدرات الناس كما تشاء بلا حسيب ورقيب، ومجلس نواب منتهك للدستور، وشعب اعزل يلتزم الصمت والسلامة، ومرجعية دينية لا تتدخل بالشؤون السياسية عملا بفصل الدين عن الدولة. وهذا يعني ان الدولة قد تحلل امرها وتفككت. فما العمل؟

الاستاذ فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الاعلى اقترح اجراء تعديل دستوري بخصوص المادة ٦٤/ اولا من الدستور وذلك بان يكون حل مجلس النواب بقرار من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية. واعتبر ان هذا التعديل سوف يحقق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وذلك باعطاء كل من السلطتين حق معاقبة السلطة الثانية في حالة مخالفتها للدستور.

ومع ان التعديل الدستوري المقترح قد يعالج جزءاً من الاشكالية، الا اننا نعلم ان التعديل الدستوري بموجب المادة ١٢٦ او المادة ١٤٢ يكاد يكون من المحال في الظروف الحالية، الا ان مقترح السيد رئيس مجلس القضاء لا يحقق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ذلك ان الميزان مختل اصلا بين مجلس النواب من جهة، ورئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء من جهة اخرى.

فالاول منتخب مباشرة من قبل الشعب، ورئيس الجمهورية منتخب من قبل البرلمان، ورئيس مجلس الوزراء معين من قبل الكتلة النيابية الاكثر عددا (او توافقات عدد معين من الاشخاص النافذين). واعادة التوازن بينهما لا يكون عن طريق منح رئيس الوزراء سلطة حل مجلس النواب بدون سند، وانما باعادة الاعتبار الى هذا المنصب عن طريق انتخاب من يشغله مباشرة من قبل الشعب. وهذا هو الحال في الولايات المتحدة مثلا حيث يقوم الناخبون بانتخاب رئيس الجمهورية واعضاء مجلس النواب بصورة مباشرة فيكون الطرفان متعادلين من حيث الشرعية الشعبية، وعلى اساس هذا التعادل في المنشأ قسّم الدستور الاميركي السلطة بين الطرفين بشكل متعادل ومتوازن. وليس الحال عندنا هكذا حيث وضع الدستور سلطة مجلس النواب فوق سلطة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء. وهكذا لا يقدم مقترح السيد رئيس مجلس القضاء حلا للمشكلة الحالية.

امامنا مخرج دستوري واحد من الازمة، وهو ان يقوم عدد من النواب المخلصين الشرفاء النزيهين بقيادة مبادرة لحل مجلس النواب بموجب المادة ٦٤، حفاظا على ما تبقى من سلطة الدستور واحترامه. فان لم يفعلوا ذلك فان الكرة تعود الى الشعب الذي انتخب هؤلاء ليقول كلمته الفصل في هذا الخصوص، اما عن طريق الضغط على النواب لحل مجلسهم، او… حدوث ما لا تحمد عقباه.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق