q
للأرض والمناخ والمجتمع الأثر البالغ على الإنسان؛ طبعه وشكله وسلوكياته وقيمه وفكره. فالمناطق معتدلة الطقس تعكس على إنسانها التفكير الهادئ وبرود الأعصاب وعدم التأزم والتعقيد، على العكس من تلك الحارّة والأجواء اللاهبة التي يتميز سكّانها بمزاج حادّ وانفعال دائم وحدّية المواقف والثورية في أغلب الأحوال...

للأرض والمناخ والمجتمع الأثر البالغ على الإنسان؛ طبعه وشكله وسلوكياته وقيمه وفكره. فالمناطق معتدلة الطقس تعكس على إنسانها التفكير الهادئ وبرود الأعصاب وعدم التأزم والتعقيد، على العكس من تلك الحارّة والأجواء اللاهبة التي يتميز سكّانها بمزاج حادّ وانفعال دائم وحدّية المواقف والثورية في أغلب الأحوال.

وهذا ما يجعل لكلّ الشعوب والأمم على اختلافها بصمة تميزها عن غيرها من الشعوب، وبذلك تتحقق هوية الإنسان بعيدًا عن تلك البطاقة الصغيرة التي نحملها في جيوبنا التي تثبت إنتماءنا الوطني وتأريخ ميلادنا وديانتنا، فهوية الإنسان الحقيقية هي ما يحمله من صفات وأطباع، ويمكن التعرّف عليها بعيدًا عن لغة اللسان أو البطاقة الشخصية.

في مقطع فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي يصوّر حال العراقيين وما يعانونه من قهر وظلم وانتهاك.. تصدّرت بعض الكلمات التي ألفتت انتباهي وأثارت بي مشاعر إختلط فيها الألم مع الحسّ الوطني، الذي أصبح اليوم للأسف بضاعة يتاجر بها الكثير. الكلمات هي عبارة عن سؤال: "قول لنا أنك عراقي دون أن تقول أنك عراقي".

السؤال المطروح ليس سؤالًا عادياً؛ بل له عمق وله معانٍ ومدلولات كبيرة جدًا ويحتاج الى تأمل فيما إذا أردنا الجواب، لأن اللسان ليعجز في بعض الأحيان عن التعبير عن كلّ الأشياء، فالألم لا يوصف.. والحب كذلك، وإذا ما حاول الإنسان أن يواري آلامه وأحزانه وحتى فرحه وسعادته؛ فمن السهل بمكان أن نجد ذلك مطبوعًا على قسمات وجهه.

فذاك الذي يريد أن أقول له أننّي عراقي دون أن أقول أنّي عراقي!. نعم لا أقول لك أنا عراقي بلساني، لكني أجد كلمات رائعة للشاعر العراقي كاظم اسماعيل الكاطع والتي غنّاها المطرب الخالد فؤاد سالم فيها تلخيص ابداعي للتعرّف بعراقيّتي، حيث كاطع: "لا تضيعين العرف، مو غريبة الما مشه بكل روجّة كلبه، وكضه عمره بفد جرف، جرفي صافي.. كلبي صافي.. آنه صافي، تجري بعروكي السواجي، وجفي بي ريحة عراقي، آنه جنسيتي سماري، اقري بعيوني انكتب عنوان داري، اتنفس بريتي النخل، ويروح لهناك النفس بي مني طاري، وآنه ذاك آنه العراقي".

تريد أن تعرف أننّي عراقي؟! تعال وانظر الى خطوط وجهي التي نحتتها قساوة الأيام؛ فهي تحكي لك عذاباتي.. آلامي.. حرماني.. وتقول لك أنّي عراقي. أنظر الى ظهري؛ ترى آثار سوط جلّادي وقيود معصمي ما زالت تتكلم.. فهي تجيبك وتعرفك بأنّي عراقي.

لأنّي عراقي اغتصبوا أرضي، حرقوا حقلي، دنّسوا داري، سحقوا على دُمية إبنتي، سرقوا دفتر ابني وقلمه وضحكته، ولم يكتفوا؛ سرقوا كل ممتلكاتي، حتى وسادتي وكوز الماء وصورة جدّي، ثم أضرموا النار بداري واعتقلوني بتهمة التفكير!

يا هذا أنا عراقي؛ لأن أبناء وطني يقبعون في بيوت من (التنك) وفوق رؤسهم دخان مشاعل آبار النفط. أنا عراقي لأنني بمجرّد أن قلت: "لا"؛ نزل عليّ غضب (سياسيي الصدفة) والمتسلطين على رقاب وعقول الشعوب. بمجرد أردت أن أتنفس وطلبت الحياة.. صرت هدفًا لقنّاص صناع الحرية الموهومة، لأنهم أبوا إلّا أن أكون (أخرس) مدى الحياة.

أنا عراقي لأننّي مازلت في آب أتوسل النسمة عسى أن تمرّ من شبّاكي الكئيب؛ ليتنفسها أطفالي الذين لم يناموا منذ يومين بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وأنا أصبّر عليهم بتلك القطعة البائسة من الكارتون التي تئن ألمًا وصبرًا هي الأخرى. هل يكفي هذا.. أمْ أزيد!؟ يا أخي أنا عراقي؛ بلَوني بصوتي بقهري بصبري بطيبتي وبفرحي المذبوح!

...............................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق