من المستحيل ان تتوقف عقارب الساعة لتعلن عن إيقاف الوقت، فالأيام ماضية، وكما يقال استمرار الحال من المحال، ويبقى على الكتل السياسية ان تفكر بطريق العودة لناخبيها الذين ستفارقهم لأربع سنوات متواصلة، وهنا قد تُجلد جميع النخب بسوط الشعب الذي لا يرحم من استهان بحقوقه...
بكل مرحلة ينتقل اليها العراق فوائد لشريحة بعينها وضرر لأخرى، والمستفيد الوحيد من الأوضاع الجارية في البلاد هي الاحزاب المشاركة في السلطة ومهيمنة على المؤسسات الحكومية برمتها، بينما المتضرر والمتلقي للكدمات المتتالية من جميع ذلك هو المواطن.
التنافس حول السلطة الحاصل في العراق وضع الأحزاب امام مجازفة غير مسبوقة، اذ غامرت بجماهيرها وتاريخها الجهادي ومجدها الذي بنته عبر مواجهة طغيان النظام السابق، وتعرضت الى الملاحقة من قبل ازلامه، لكنها فضلت خسارة هذه المكاسب العريقة، قبالة فوائد آنية وعلى حساب معاناة الشعب بطوائفه المختلفة.
مر على اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة ما يقرب من الخمسة أشهر، ولا تزال جذوة الخلافات ملتهبة بين من يعتقدون هم أصحاب السيادة في البلد، وبعد كل إيقاد لشرارة المفاوضات تخمد تلك المحاولات وتندثر تحت رماد الفشل الذي لا يزال يلاحق الكتل السياسية التي ستشترك في تشكيل الحكومة المقبلة.
والموقف السائد حاليا هو التعنت والتشدد في الحوارات والابتعاد عن مرونة التعامل المرجوة من قبل المراقبين على المستوى الشعبي والإقليمي والدولي، ومع ذلك بقيت الكتل السياسية متشبثة بمكتسباتها التي تتمتع فيها طيلة هذه السنوات الماضية ولا تريد خسارتها عبر النزول الى الميدان التفاوضي المبني على النظرة الايجابية وصولا الى اتفاق على قواعد عمل واضحة وصريحة تخدم مصالح الشعب.
وبعد مرور الأشهر الماضية أصبح واضحا ان الاختلافات المعقدة بين الكتل السياسية سببها هو الطمع بالمزيد من المغانم، وكلٌ ينظر الى المنفذ الحكومي، (منصب وزير او مدير عام او غيرها من مواقع المسؤولية)، على انه مورد اقتصادي غير قابل للنفاذ، يزود الحزب او الحركة بالحصة المالية العائدة من التقاسم الحاصل بين الشركاء، وكنا نتمنى ان تكون هذه النوعية من الخلافات هو لتأخير الخدمات التي من المفترض تقديمها للجمهور.
وأدت هذه التصادمات الى انقسام الساحة السياسية الى محاور عدة كل محور منها يبحث عن مصلحته الشخصية، فالتحالف الثلاثي بين الصدر والاكراد وبعض من الأطراف السنية، قابله الإطار التنسيقي الذي يعتقد بأحقيته في تشكيل الحكومة وفق الثقل السياسي وليس عدد المقاعد الفائز بها.
ومن أجَلَ تشكيل الحكومة هو التفسير الأخير للمادة 70 من الدستور من قبل المحكمة الاتحادية والتي نصت على ضرورة حضور ثلثي عدد النواب الى البرلمان للتصويت على تمرير شخصية منصب الرئيس، وهذا التفسير أجبر الكتل الفائزة على وضع فكرة تشكيل حكومة الأغلبية على الرفوف والبحث مجددا عن توافق بات من الصعب الوصول اليه وتحقيقه.
اذ انتقل الإطار التنسيقي الى التفاوض المعلن مع التيار الصدري المتمسك برؤية الحكومة الوطنية، وعلى الرغم من عناد الطرفين، لكن يبقى الامل قائم بالوصول الى نقطة تلاقي تحيطها المصلحة العامة، وتحرك اجوائها صفاء النية لترسيخ العملية الديمقراطية والخروج من إطار التقوقع حول الذات الحزبية الضيقة.
التماهل المرافق لعملية فض الخلافات وتشكيل الحكومة لم يخدم أحد من مكونات الشعب العراقي، وقدم خدمة مجانية لرجال السلطة الذين ينعمون بالامتيازات الفاحشة، والتجأت الى التسويف والمماطلة وعدم الإفصاح عن النتائج المتمخضة عن اللقاءات المتكررة، ما يدلل على وجود ارتياح من طبقة لضيقة تتمثل بالسياسيين، ودفع بهم هذا الامر الى تجاوز المدد الدستورية.
اختراق المدد المحددة بالدستور من قبل اعلى سلطة في الدولة وعدم مراعاة الاستحقاقات الانتخابية، ينذر بخطر محدق بالعملية السياسية، ويدلل على اتساع مساحة الاطماع النيابية، الذين جعلوا من اليمين الدستوري جواز عبور الى منطقة المغانم الازلية، والتخلي عن التزاماتها امام جماهيرها التي وثقت بها واعتقدت بأنها ستحقق احلامها.
من المستحيل ان تتوقف عقارب الساعة لتعلن عن إيقاف الوقت، فالأيام ماضية، وكما يقال استمرار الحال من المحال، ويبقى على الكتل السياسية ان تفكر بطريق العودة لناخبيها الذين ستفارقهم لأربع سنوات متواصلة، وهنا قد تُجلد جميع النخب بسوط الشعب الذي لا يرحم من استهان بحقوقه، واكل امواله الطائلة، محولا البلد الى مزرعة يقتلع مغروساتها ويحولها الى صحراء قاحلة تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
اضف تعليق