يكثر الحديث هذه الأيام عن الاستحقاق الانتخابي فيما واقع الحال ان من وصل الى مقاعد مجلس النواب لا يمثل أكثر من 20% من مجموع من يحق لهم التصويت من العراقيين، ومع تصاعد صخب الحديث عن حكومة اغلبية وطنية، فان وقائع الأمور عند الفحص والتمحيص تظهر ان جغرافية الافاعي في استبداد مفاسد المحاصصة...
يكثر الحديث هذه الأيام عن الاستحقاق الانتخابي فيما واقع الحال ان من وصل الى مقاعد مجلس النواب لا يمثل اكثر من 20% من مجموع من يحق لهم التصويت من العراقيين، ومع تصاعد صخب الحديث عن حكومة اغلبية وطنية، فان وقائع الأمور عند الفحص والتمحيص تظهر ان جغرافية الافاعي في استبداد مفاسد المحاصصة يراد لها ان تتحول من نموذج ”الدومينو” الذي يسقط جميع اللاعبين بضربة واحدة الى نموذج ”الشطرنج” في مزاج مجتمعي متغير مطلوب إعادة صياغته لقبول وقائع الألم المتجددة ما بعد سقوط عالم النفط وانتهاء الدولة الريعية.
رقص الافاعي
الواضح ان جغرافية العملية السياسية التي اعتمدت نموذج الاستبداد الحزبي لعوائل بعينها لا يمكن لها الرضوخ من دون قتال، ولكن لان هذا النموذج عنوانه العريض هو الدولة الديمقراطية البرلمانية، فان الوجه الاخر له يتجسد في ما قاله احدهم بانه ”يرقص مع الافاعي” وهذا الحاوي او غيره من السياسيين العراقيين يتفاعلون مع سياسة اللحظة حسب من يقفون عند ابوابه كسفراء او امراء حرب او امراء طوائف كل منهم يقدم له فروض الطاعة والولاء من اجل الاستمرار بمناصب السلطة التي حولت عراق اليوم الى النموذج الكولومبي حيث يدار البلد ليس من المليشيات المنفلتة او عصابات الجريمة المنظمة بل من عصابات المخدرات التي تجاوز جميع الحواة من سياسي العراق تصريح وزير الداخلية ان 50% من العراقيين مدمنين على المخدرات، وما يحصل في المحافظات العراقية سواء شرقية او غربية، شمالية او جنوبية، لا يتعدى عند الاستقصاء الدقيق غير نموذج فساد او افساد المناصب الحكومية لتمرير صفقات المخدرات وهكذا يعرف الجميع ان احد ابرز مصادر تمويل استبداد عوائل مفاسد المحاصصة انما هو ريع تهريب المخدرات بعد ريع تهريب النفط!!
وايضا معضلة من يرقص مع تتمثل في الجانب البارز بكون من يتصدر الفساد السياسي والمجتمعي انما بعناوين مقدسة طائفية كانت او عشائرية او مناطقية، وتختفي وراء الاكمة ما وراءها من حقائق عن هذا الفساد بنوعيه، الامر الذي يدعو كل من يطالب بالإصلاح فهم لعبة الرقص مع الافاعي كون الجميع على اطلاع بالحقائق من يقوم بماذا وما حدود دوره المرسوم من قبل من يشتري النفط المهرب او يوزع المخدرات بشكل شبه علني داخل المدن العراقية.
دومينو الجحوش الالكترونية
واي استقصاء سريع لمجريات النقاش في مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر جليا ان دور الجحوش الالكترونية التي يصرف عليها الملايين من الدولارات من أموال الفساد السياسي، انما تتعامل وفق نغمات الحاوي للرقص مع بقية الافاعي لتحويل المتهم الى بريء ومستهدف سياسيا، والعكس صحيح، فيما واقع الحال ان كل هذه الجحوش الالكترونية وبرامج التوك – شو التلفازية انما قائمة على قرارات غرف سوداء في إدارة الحرب النفسية التي تعمل على إشاعة اليأس المتكامل وان عراق الغد لا اصلاح فيه الا اذا هدم المعبد على الجميع، سبق وان قيل ان العراق سيسلم للأمريكان ارضا محروقة.
وهذا ما حصل، واليوم لمن ستكون الغلة في لعبة الرقص مع الافاعي، وما مصلحة الأجيال المقبلة من كل ذلك، غير تلك الأموال التي تستحصل من جلود فقراء العراقيين لتودع في بنوك سياسية تمتلكها عوائل استبداد مفاسد المحاصصة، حتى بات دور الكثير ممن يطلق عليهم القابا إعلامية كمحللين سياسيين او اقتصاديين او امنيين، مجرد وعاظ لهذه العوائل يروجون بعناوين طائفية وعشائرية ومناطقية تلك الحقوق المزعومة عن استحقاقات انتخابية لتوزيع كعكة السلطة.
الامر الاخر في هذا الدومينو ان من يشعر بالخروج من اللعبة يريد اسقاط الجميع او فرض شروط الحماية من المحاسبة القانونية على ملفات فساد متراكمة في لجان تحقيقية على رفوف مجلس النواب والهيئات الرقابية لعل من ابرزها ملف اغتصاب عصابات داعش لثلث الأراضي العراقية، وما حصل بعدها من جرائم إنسانية خلال معارك التحرير من مختلف الفرقاء وما انتهت اليه من جرائم فساد اداري ومالي، هذا الملف لوحده يكفي لهدم المعبد على رؤوس عوائل استبداد مفاسد المحاصصة، لذلك تسارع الحجوش الالكترونية لبث الشائعات وترويج الاخبار المفبركة فقط لإفهام بقية اللاعبين ان اللعبة لا تنته بخروج هذا او ذاك ما مادام يمتلك المال السياسي والسلاح المنفلت ناهيك عن مصادر التمويل الدائمة من خلال مافيات الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات.
الواضح، ان ليس لأي من الراقصين مع الافاعي باستطاعته الخروج من لعبة الدومينو الى لعبة الشطرنج ما دامت عوائل استبداد المحاصصة ارتضت لذاتها ان تكون مجرد بيادق على رقعة الشطرنج للمصالح الدولية والإقليمية من دون ان تأخذ بالحسبان حقائق المتغيرات المجتمعية والرفض الشعبي المتصاعد لثورة الجياع في عراق اليوم والغد، وهكذا تحولت الساحة العراقية الى مجرد رقعة شطرنج يلعب عليها وفيها كل القوى الإقليمية والدولية لصالح اجنداتها ولم تظهر حتى اليوم الهوية العراقية للمصلحة الوطنية المتفق عليها حتى في اتفاقات أحزاب المعارضة المتصدية اليوم للحكم سواء في مؤتمرات صلاح الدين او لندن وحينما حاول المرحوم احمد الجلبي الخروج عن الصمت انتهى الى رحمة الله ولم تقوم أي جهة اودع عندها وثائقه التي تفضح الراقصين مع الافاعي بتفعيل هذه الملفات وتقديمها للقضاء او حتى الكشف عنها في وسائل الاعلام، وسبق وان طلبت شخصيا من اطراف متعددة الإفصاح عن هذه الملفات فكان الجواب لم يأت وقت الكشف عنها فما زال في معبد استبداد المحاصصة مصالح جوهرية لأكثر من طرف.
جغرافية الغد: مسارات مفككة لا اعتقد بالإمكان ان ينهض أي طرف يدعي الإصلاح من دون تفكيك منظومة استبداد مفاسد المحاصصة، وتلك مهمة ليست بالسهلة كونها تتعلق برموز توصف بالخطوط الحمراء، لاسيما بعد ان تحولت الكثير من المليشيات التي كانت تقاتل بعناوين مقاومة الاحتلال الأمريكي او تمثيل مصالح عشائرية او مناطقية الى نموذج الانشطار الاميبي، في اخراج من عارض الاتفاقات مع الإبقاء على القواعد المسلحة، هكذا ظهرت عصابات مسلحة بعناوين شتى، لها صفة رسمية او إجرامية، لكنها استطاعت ان تبقى خارج سلطة القانون او فوقه، بل كانت في اكثر الأحيان المؤثرة على نفاذ القانون وتحولت هذه العصابات الى النموذج الكولومبي.
ومن قبله المافيا الإيطالية التي قتلت رئيس الوزراء عندما عارض قرارات مجلسها في جزيرة صقلية واليوم كم مجلس اجرامي يدير المحافظات العراقية؟؟ لذلك لا اجد في السياسات العامة لأي برنامج حكومي مقبل غير مسارات مفككة وكلام منمق كما سبق وان طرح طيلة الدورات البرلمانية الماضية، فالحكاية كلها تنحصر في اصحاب مصالح إجرامية لا نفاذ للقانون عليهم ما دامت تحت حماية عوائل استبداد مفاسد المحاصصة ولجانهم الاقتصادية، ومن يخالف دوره على رقعة الشطرنج العراقية كبيادق إقليمية ودولية، يكون خارج لعبة دومينو جغرافية الافاعي.. ولله في خلقه شؤون!
اضف تعليق