q
ذهب بي (لو) التمني الى الديمقراطية التي شغلت أحلامنا بالتحرر من العبودية والخوف، تلك التي تنتشل الناس من واقع مخجل وحرمان دام عقود، تلك التي لا تمييز فيها بين العراقيين على اختلاف ألوانهم، فجمال العراق وقوته تكمن في تنوع انسانه، قوميا ودينيا ومذهبيا...

أريد هذه المرة الاستعانة بحرف (لو) الذي يفيد التمني في واحد من معانيه كما يقول أهل اللغة الذين عقدّوا مناهجها حتى صار الكثير من طلبتنا ينجحون في جميع الدروس ويفشلون في لغتهم، وبالرغم من أهميتها استهان بها بعض من الذين يفترض أن نتعلم منهم قواعدها واللفظ السليم واسلوب الالقاء، وأقصد مقدمي البرامج الاذاعية والتلفزيونية الذين استبدلوا الفصيح باللهجة العامية ظنا من ادارات وسائل الاعلام ان التفاعل مع الجمهور يحدث بالكلام العامي أكثر من الفصيح، او قل: هم غير متمكنين من اللغة التي تعد من أبرز أدوات العمل الاعلامي، لكن للأسف ما عادت اللغة معيارا لاختيار المقدمين، وتفوقت عليها معايير اخرى كجمال الوجه والجسد، ومهارة الثرثرة، وعدد المتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما بالنسبة لبعض الفتيات اللاتي صرن ديكورا لتجميل الاستوديوهات.

و(لو) التمني هذه يستنجد بها أيضا كتاب السيناريو، بوصفها طريقة لتوليد الأفكار في أعمالهم الدرامية عندما تشح في بعض الأحيان، وعلى غرارهم خطر في بالي اعتمادها، مثلا: لو كنت من بين النواب الحاضرين في جلسة البرلمان الافتتاحية، أعني الجلسة التي نُقل فيها المشهداني للمستشفى، التي سادها الهرج والمرج، واستشف منها الشعب ما لا أريد قوله، فماذا سأفعل (لو) كنت من بينهم؟، بالتأكيد أفكار كثيرة خطرت في بالي، ولكن أبرز ما استعادته الذاكرة، ذلك المثل الذي صاغه العراقيون بلهجتهم اللذيذة: (ليلة الگشرة تبين من العصرية)، بينما ذهب بي (لو) التمني الى الديمقراطية التي شغلت أحلامنا بالتحرر من العبودية والخوف، تلك التي تنتشل الناس من واقع مخجل وحرمان دام عقود، تلك التي لا تمييز فيها بين العراقيين على اختلاف ألوانهم، فجمال العراق وقوته تكمن في تنوع انسانه، قوميا ودينيا ومذهبيا، وكل من يقول غير ذلك واهم، او لم يلق من المعارف سوى التي تحفل بها الكهوف، الديمقراطية الحقيقة تلك التي نتبادل بها السلطة بلا قلق او رعب من المحتمل، وليست (الديمقراطية المسلحة) بحسب وصف زميلي الدكتور كاظم المقدادي.

لو كنت نائبا لاقترحت على جميع زملائي القيام بزيارة نصب الشهيد قبل افتتاح الجلسة، لنتذكر الشهداء الذين لولا تضحياتهم ما كان لنا أن نكون تحت قبة البرلمان، هؤلاء الذين جادوا بحياتهم، وعرضّوا عوائلهم لمصير مجهول، لكي لا يدنس الأراذل تراب الوطن، عسى ولعل ضمائر النواب السابقين تصحو من سباتها، ويفيق الذين ما عادت كل القبب تستهويهم غير قبة البرلمان، لا ليكون نائبا ممثلا للشعب أصدق تمثيل، بل ليحصد من السلطة ما بوسعه حصاده، او على أقل تقدير التمتع بنفوذ يتيح له تحقيق مصالحه الشخصية وبعدها الحزبية، ومصداق ذلك ما مضى.

لو كنت نائبا لاقترحت اعادة النظر بما يسمى (الكتلة الأكبر)، فهي بنظري لغم وضعه دهاة السياسة حائلا دون بلوغ الديمقراطية الخالية من المحاصصة ومسمياتها البراقة كالتوافق والشراكة الوطنية، ذلك ان توافقات الوصول للكتلة الأكبر شرّعت الأبواب للفساد، ومنحت خزائن الوزارات للأحزاب، وفتحت النوافذ لتدخل الغرباء لحجز مقاعدهم في الحكومة عبر أذرعهم في الداخل، وفي النهاية جعلت العراق يراوح في مكانه، بل ويتراجع الى الخلف، وينظر ملوك الشمع عند تشكيل الحكومة للخارج قبل الداخل.

لولا هذا اللغم ما تأخر تشكيل الحكومات شهور عديدة، وما كان بمقدور الصفقات ان تفقد الفائز في الانتخابات حقه في ادارة البلاد، وهذا ما حصل في تجارب سابقة، ولو حصل في تجربتنا الراهنة، وكان من بين الاحتمالات قبل انعقاد جلسة الافتتاح لانحدرت البلاد الى منزلق خطير. دعوا الفائز يشكل الحكومة والجميع في المعارضة، ليكون مسؤولا عن الفشل، وجانيا لثمار النجاح، الحمد لله الذي لم يجعلني نائبا، والا لكنت (….).

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق