بعد ايام قليلة يكون قد مضى شهران على اجراء الانتخابات المسماة زورا وبهتانا "مبكرة". شهران ولم تضع "العملية السياسية" ارجلها على الخط السريع المؤدي الى تشكيل ترويكا الحكم، اي الرئاسات الثلاث اضافة الى الحكومة. وهذا بحد ذاته دليل على ان العملية السياسية عليلة مثل...

بعد ايام قليلة يكون قد مضى شهران على اجراء الانتخابات المسماة زورا وبهتانا "مبكرة". شهران ولم تضع "العملية السياسية" ارجلها على الخط السريع المؤدي الى تشكيل ترويكا الحكم، اي الرئاسات الثلاث اضافة الى الحكومة. وهذا بحد ذاته دليل على ان العملية السياسية عليلة، مثل اخواتها في لبنان واسرائيل وبلجيكا. ويمكن معرفة المرض بالمقارنة، مثلا، بالعملية السياسية في بريطانيا والكويت. في الحالات الصحية تعلن نتائج الانتخابات في اليوم التالي على ابعد تقدير، وتشكل الحكومة في اليوم الذي يليه.

هذا ما لا يحصل عندنا، ولأسباب كثيرة متفرعة من الاختلالات الحادة في المركَّب الحضاري للدولة العراقية ومنظومة القيم العليا الحافة بعناصره الخمسة وفي مقدمتها الانسان حاكما ومحكوما. ليس من مهمة المثقف الانشغال أكثر من اللازم بما هو كائن، انما عليه ان يفكّر ويشتغل على ما ينبغي ان يكون، اي التوصل الى حلول مستقبلية تخرج البلاد والعباد من ازمات "ما هو كائن". ولهذا فليست العبرة بتقديم وصف للازمة، والاكتفاء بذلك، انما العبرة باقتراح حلول ومخارج لها ومنها.

وصلت الازمة عندنا "ذروة" قاعها. فقد تولى الحكم اقل الناس علما ومعرفة ودراية به، ولم تغير الانتخابات "المبكرة" من واقع الحال، وغاب الاجماع الوطني على نتائجها، وتعمقت عيوب التأسيس ومضاعفاتها، وتفاقمت الازمة المعيشية ممثلة بخفض قيمة الدينار، وغلاء الاسعار، وتدني القدرة الشرائية للمواطنين، والارتفاع المستمر في معدلات البطالة، وغير ذلك مما يعرفه المواطنون.

وازاء هذا الوضع لابد من حل للازمة ومشكلاتها من بعدين: بعد عاجل سريع، وبعد آجل بعيد المدى. وتتولى الاشتغال على البعدين حكومة كفوءة، مشكلة من وزراء اصحاب خبرة وكفاءة علمية وقيادية وعقول مبتكرة، اضافة الى النزاهة والاخلاص والمثابرة، وتحظى برضا وقبول الجمهور، اي يتحقق الاجماع الوطني عليها حتى لو كانت حكومة "اغلبية سياسية"، بدون توصيفات اخرى لا معنى لها.

في البعد العاجل السريع للحل، اقترحت في مقال سابق تبني "المشروع الوطني للاعمار"، على ان ترافقه اصلاحات سياسية سريعة تظهر نتائجها خلال السنوات الاربع المقبلة وصولا الى انتخابات عام ٢٠٢٥. ويمكن ان تكون الاصلاحات السياسية على مستويين، اما اصلاحات لدولة مكونات، او اصلاحات لدولة مواطنة (والثاني هو ما افضله ارتباطا بمشروعي للدولة الحضارية الحديثة). وفي الحالتين لابد من تشريع قانونين للاحزاب والانتخابات يؤديان الى تقليل عدد الاحزاب السياسية بصورة جذرية، تنهي التشرذم الحزبي على مستوى المكونات او على مستوى المواطنة، ويضعان شروطا قاسية للمشاركة في الحكومة. وقد قدمت افكارا محددة بهذا الصدد في مقالات كثيرة سابقة فلا اعيدها الان.

وسوف يؤدي المشروع الوطني للاعمار جنبا الى جنب مع الاصلاحات السياسية الى تحسين نوعية ومستوى معيشة المواطنين، بما في ذلك زيادة انتاجية المجتمع، وتنويع وتعظيم موارد الدولة، ومعالجة البطالة، وغير ذلك من المشكلات الحياتية التي يعاني منها المواطنون.

وهذا كله في البعد العاجل للحل الذي لا ينبغي ان يستغرق اكثر من اربع سنوات. اما البعد بعيد المدى، فيتمثل في اتخاذ الحكومة القادمة والتي بعدها، والتي بعدها (اي لفترة زمنية مدتها ١٢ سنة) الخطوات التي تضع العراق في الطريق المؤدي الى الدولة الحضارية الحديثة. ولا يقولن احدٌ ان هذا الهدف لا يمكن تحقيقه في العراق، لانه الخيار الوحيد المتوفر، وماعداه استمرار الدول المتخلفة الحالية. ولهذا يجب ان يبذل المجتمع المستحيل من اجل الوصول اليها. وهذا يتطلب جملة امور، من بينها اقامة المدرسة الحضارية الحديثة التي تخرج اجيالا من المواطنين يشكلون الرافعة والقاعدة الاجتماعية المتينة لقيام الدولة الحضارية الحديثة.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق