صورة مؤلمة ومخجلة تلك التي نراها يوميا على شاشات التلفزة، ومواقع التواصل الاجتماعي للعراقي الهارب من أتون جحيم القمع والفقر وقسوة الظروف إلى الجنة الأوربية الافتراضية أو إلى المجهول. صوّر صادمة وصاعقة حد الاشمئزاز لما آلت اليه أمور العراقي في بيته الوطن، وفي هجرته القسرية...
صورة مؤلمة ومخجلة تلك التي نراها يوميا على شاشات التلفزة، ومواقع التواصل الاجتماعي للعراقي الهارب من أتون جحيم القمع والفقر وقسوة الظروف إلى الجنة الأوربية الافتراضية أو إلى المجهول. صوّر صادمة وصاعقة حد الاشمئزاز لما آلت اليه أمور العراقي في بيته الوطن، وفي هجرته القسرية. صورة يندى لها الجبين بالمعنى والرمز، لفتية في عمر الورود، وعوائل جميلة من الأطفال والرجال والنساء تهاجر أوطانها الغارقة بالنفط بحثا عن الجنة الغريبة بالأفعال والأحلام.
ما نراه من صور وسلوكيات ومذلات، يدمي القلب كمدا، ويعتصر الفؤاد الما، ويحزن العين بالدموع، وجرح لا يندمل سريعا. فالعراق الذي كان موطن المهاجرين من كل حارة عربية، أصبح اليوم بفضل من يتحكم بالبلاد طارد لأبنائه، ومتفننا بأيذاءهم بالجوع والقتل والتهجير. من يصدق أن أبناء الرافدين الذين يعيشون فوق آبار النفط، وينامون على عطر رائحته، يصدرون 3 مليون برميل يوميا، ويستلمون أكثر من 42 مليون سنويا، يهاجرون وطنهم من أجل رغيف خبز، وأمن مستور.
لكن بالمقابل، من باب الموضوعية، فأن الكثير من الدول الأوربية تريد حفظ أمنها ومواردها، ولا تريد أن “تزيد الطين بلة ” لحياة شعوبها، واقتصاداتها المنهارة بالسماح للمزيد من المهاجرين. وهو فعل مبرّر لأول وهلة من ناحية الشكليات. لكن قمع المواطن العراقي بالسلاح والضرب الهمجي والغازات السامة وخلع الملابس، وقمع دموع الأطفال، هو انتهاك صريح لحقوق الأنسان وضد مبادئ التحضر والمدنية.
ما يجري لأهلنا في حدود الدول الأوربية من معاناة وإذلال هو انعكاس طبيعي لمأساة الوطن في صنع الكوارث، هي نفس الصورة التي يجدها المواطن في وطنه الأم. حيث الهجرة الداخلية بالآلاف للعيش بالخيم هروبا من الحقد والقتل المبرمج والطائفية. هي الصورة نفسها التي نراها حيث الغرق بأوحال مطر الوطن، والجوع المقنن، والمرض المزمن الذي يفتك بالأطفال والنساء والشيوخ.
هناك وطن، تتالى فيه الخيبات، وتهدر فيه الطاقات، وتوأد الأحلام، فيتمثل الوطن مكانا طاردا لأبنائه. وهناك مواطن يشكو الجوع والبطالة ورداءة الصحة والتعليم والكهرباء، حيث يعيش مواطنيه عوز الحاجة، وقلة المدخول، وقلق الموت. ويصبح الموت بينهم نعاسا. وطن أنزلوا العملاء علمه الأحمر والأبيض والأسود والأخضر ليستبدلوه بأعلام الأجنبي، وبأعلام الأحزاب الفاشلة، ليصبح ضيعة تابعة مفعول به.
لذلك هاجر الناس والعلماء والمثقفون الوطن من اجل الخلاص، ليس كرها بالعراق الجميل، وإنما كرها بالفساد. فالعراق كان قصة مليئة بألغاز الوقار والأساطير الملحميّة، قصة فاعل على مر التاريخ. كان موطن الكلمة والقانون.
لا تعتبوا على هجرة العراقيين، بالكلام والموعظة، ولا تجعلوه أيضا في سياق الوطن والوطنية. فالناس لها ظروف وحاجات وآمال. فما الفائدة من الاسم إذا كان صحيحا والوطن نفسه معتلا كما يقول الشاعر العربي محمد الماغوط. لكن العلة في السلطة التي لا تحترم مواطنيها وإرادتها وسيادتها.
وفي المعادلات التفاضلية هناك دالة واحدة أو أكثر ومشتقاتها ترتبط مع بعضها. ودالة الوطن اليوم وجود اللا دولة التي تعبث بحياة الناس ومصيرهم ومستقبلهم. ومشتاقتها هي الموت والتهجير والفساد!
الموجز، لا يقارن الخارجون من العراق بالعائدين اليه، ومواسم الهجرة سوف تزداد، والكل من شباب العراق يحلم بالأوطان عبر القارات حيث الرفاهية والسعادة والحرية والمستقبل، مهما كانت الوانها وأشكالها وتحدياتها ومصاعبها. هو الخلاص من جحيم التخلف والفساد، فأي حياة في وطن يطحن أبناءه بدم بارد، وصدق الإمام علي “عليه السلام” عندما قال: الفقر في الوطن غربة، والغنى في الغربة وطن.
اضف تعليق